"""""" صفحة رقم 174 """"""
النبي صلى الله عليه وسلّم، ثم اختلف على هذا هل هو إخبار عن جميع الصحابة فيكون نقلاً للإجماع أو عن بعضهم؟ على قولين أصحهما في شرح مسلم للنووي، الثاني قال شمس الدين البرشنسي في شرح ألفيته المسماة بالمورد الأصفى في علم الحديث: قول التابعين كانوا يفعلون يدل على فعل البعض وقيل يدل على فعل جميع الأمة أو البعض وسكوت الباقين أو فعلوا كلهم على وجه ظهر للنبي صلى الله عليه وسلّم ولم ينكره انتهى، وقال الرافعي في شرح المسند: مثل هذا اللفظ يراد به أنه كان مشهوراً في ذلك العهد من غير نكير، فقول طاوس: فكانوا يستحبون إن حمل على الرفع كما هو القول الأول كان ذلك من تتمة الحديث المرسل ويكون الحديث اشتمل على أمرين: أحدهما أصل اعتقادي وهو فتنة الموتى سبعة أيام، والثاني حكم شرعي فرعي وهو استحباب التصدق والإطعام عنهم مدة تلك الأيام السبعة كما استحب سؤال التثبيت بعد الدفن ساعة، ويكون مجموع الأمرين مرسل الإسناد لإطلاق التابعي له، وعدم تسميته الصحابي الذي بلغه ذلك فيكون مقبولاً عند من يقبل المرسل مطلقاً وعند من يقبله بشرط الاعتضاد لمجيئه عن مجاهد، وعن عبيد بن عمير، وحينئذ فلا خلاف بين الأئمة في الإحتجاج بهذا المرسل، وإن حملنا قوله: فكانوا يستحبون على الإخبار عن جميع الصحابة وأنه نقل للإجماع كما هو القول الثاني فهو متصل، لأن طاوساً أدرك كثيراً من الصحابة فأخبر عنهم بالمشاهدة وأخبر عن بقية من لم يدركه منهم بالبلاغ عنهم من الصحابة الذين أدركهم، وإن حملناه على الإخبار عن بعض الصحابة فقط كما هو القول الثالث وهو الأصح كان متصلاً عن ذلك البعض الذين أدركهم، وحينئذ فالحديث مشتمل على أمرين كما ذكرناه، فأما الثاني فهو متصل كما هو الظاهر، وأما الأول فإما مرسل على ما تقدم تقريره لأنه قول لا يصدر إلا عن صاحب الوحي وقد أطلقه تابعي فيكون مرسلاً لحذف الصحابي المبلغ له من السند، وعلى هذا فيكون الأمر الثاني المنقول عن الصحابة أو عن بعضهم عاضداً لذلك المرسل لأن من وجوه اعتضاد المرسل عندنا أن يوافقه فعل صحابي فيكون هذا عاضداً ثالثاً بعد العاضدين السابقين وهما قول مجاهد، وقول عبيد بن عمير، ويكون الحديث مشتملاً على جملة مرفوعة مرسلة، وجملة موقوفة متصلة عاضدة لتلك الجملة المرسلة، وإنما أوردهما طاوس كذلك لأن قصده توجيه الحكم الشرعي وهو استحباب الإطعام عن الموتى مدة سبعة أيام فذكر أن سببه ورود فتنتهم في تلك الأيام، ولهذا فرعه عليه بالفاء حيث قال: فكانوا يستحبون أن يطعم عنه تلك الأيام، ونظير هذا الأثر في ذلك ما أخرجه الترمذي، والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن ماء الوضوء يوزن، أراد الزهري وهو من التابعين تعليل الحكم الشرعي وهو ترك التنشيف بعد الوضوء بسبب لا يؤخذ إلا من الأحاديث المرفوعة لأن وزن ماء الوضوء لا يدرك إلا بتوقيف لأنه من أحوال القيامة، فلما أورد الحديث مورد التعليل أورده مرسلاً محذوفاً منه الصحابي، وقد قال النووي في آخر شرح مسلم: قد عملت الصحابة فمن بعدهم بهذا فيفتي الإنسان منهم بمعنى الحديث عند الحاجة إلى الفتيا