"""""" صفحة رقم 181 """"""
غداً في الموقف فيمحص في البرزخ ليخرج من القبر وقد اقتص منه انتهى، وهذا وإن كان صورته صورة الموقوف على حذيفة فإن حكمه حكم المرفوع كما تقدم تقريره. وشاهده ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره). وأخرج البزار، والحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر).
وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (إن عذاب القبر من ثلاثة: من الغيبة والنميمة والبول فإياكم وذلك) وله شواهد كثيرة قال ابن رجب: قد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول، والنميمة، والغيبة بعذاب القبر وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء) وأما البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة والوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما انتهى، قال ابن رجب: وروى ابن عجلان عن عون بن عبد الله قال: يقال إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له صلاته نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم يجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد.
الوجه الثاني عشر: إن قيل: مقتضى كون الفتنة سبعة أيام مشروعية التلقين في الأيام السبعة. فالجواب: لا. أما أولاً فلأن التلقين لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف باتفاق المحدثين، ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة وآخر من أفتى بذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظراً إلى أن الحديث الضعيف يتسامح به في فضائل الأعمال، وثانياً أن هذه أمور توقيفية لا مدخل للرأي فيها ولم يرد التلقين إلا ساعة الدفن خاصة وورد في سائر الأيام الإطعام فاتبع الوارد في ذلك. فإن قلت: هل يظهر لاختصاص التلقين باليوم الأول من حكمة؟ قلت: ظهر لي حكمتان: الأولى أن المخاطب بذلك من حضر الدفن من المؤمنين الشفعاء وذلك إنما يكون في اليوم الأول لأن الشرع لم يرد بتكليف الناس المشي مع الميت إلى قبره إلا لدفنه خاصة ولم يكلفهم التردد إلى قبره بعد ذلك فلم يشرع التلقين في سائر الأيام لما في تكليفهم التردد إليه طوال الأسبوع من المشقة فاقتصر على ساعة الدفن. الثانية: أن كل مبتدأ صعب وأول نزوله قبره ساعة لم يتقدم له مثلها قط فأنس بالتلقين وسؤال التثبيت، فإذا اعتاد بالسؤال أول يوم وألفه سهل عليه بقية الأيام فلم يحتج إليه وشرع الإطعام لأنه قد يكون له ذنوب يحتاج إلى ما يكفرها من صدقة ونحوها، فكان في الصدقة عنه معونة له على تخفيف الذنوب ليخفف عنه هول السؤال وصعوبة خطاب الملكين وإغلاظهما وانتهارهما.
الوجه الثالث عشر: لم يرد تصريح ببيان الوقت الذي يجيء فيه الملكان في سائر الأيام