كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 182 """"""
وإنما ورد أنهما يأتيانه في اليوم الأول إذا انصرف الناس من دفنه، وقد يؤخذ من قول عبيد بن عمير يفتن المؤمن سبعاً والكافر أربعين صباحاً أنهما يأتيان في سائر الأيام أول النهار، وقد يكون أراد بقوله أربعين صباحاً أربعين يوماً كما جرت عادتهم بذلك أن يكنوا عن اليوم بالصباح إطلاقاً للجزء وإرادة للكل فلا يكون فيه دلالة على مجيئهما أول النهار، ويحتمل أن يأتيا في سائر الأيام في مثل الساعة التي جاء فيها أول يوم دفن والعلم في ذلك عند الله تعالى، وإذا كنا لم نعلم وقت مجيئهما من النهار لكون ذلك من المغيبات التي لا اطلاع لأحد عليها إلا بتوقيف من صاحب الوحي ولا طريق إلى الاستدلال عليها بالنظر فكيف يظن أن أخبار طاوس وغيره بوقوع الفتنة سبعة أيام صدر عنهم من غير توقيف أو سماع أو بلاغ ممن فوقهم عمن يأتيه الوحي؟ حاشا وكلا لا يظن ذلك من له أدنى تمييز.
الوجه الرابع عشر: ورد في أحاديث السؤال المطلقة أن الملكين يعيدان عليه السؤال ثلاث مرات في المجلس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ولم يرد في حديث الأيام السبعة تصريح بمثل ذلك، فيحتمل جريان ذلك كل يوم بناء على أن الأحاديث المتعددة إذا كان في كل واحد منها إطلاق من وجه وتقييد من وجه تقيد إطلاق كل حديث بتقييد الآخر كما هو قاعدة الأصول وهذا منه.
الوجه الخامس عشر: قال قائل في حديث البخاري أنه يقال له عقب السؤال نم صالحاً فدل على أنه لا شيء بعده. والجواب أن هذا كلام من لم يتسع نظره في الحديث ولا اطلع على مصطلحات العلماء المتكلمين على الأحاديث حيث يجمعون طرق الأحاديث كلها ورواياته ويضمون بعضها إلى بعض، ويأخذون من كل حديث ما فيه من فائدة زائدة ويقولون فيما خلا من تلك الزيادة: هذا حديث مختصر ورد في غيره زيادة عليه، والحديث الذي في البخاري لفظه عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: (إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا فيقال له نم صالحاً قد علمنا أن كنت لمؤمناً، وأما المنافق أو المرتاب فيقول ما أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته) هذا لفظ البخاري من غير زيادة عليه وهو أخصر حديث ورد في السؤال، وقد ورد سواه أحاديث مطولة صحيحة فيها زيادات كثيرة اعتمدها الناس ولا يسعهم إلا اعتمادها، فإن أخذ هذا الرجل بهذا الحديث فقط وترك ما سواه لزمه رد ما ثبت في الأحادث الصحيحة ولا يقع في ذلك عاقل، من ذلك أنه لم يذكر في الحديث السؤال عن ربه ودينه وهو ثابت في غيره، وأن المؤمن يقول في الجواب ربي الله وديني الإسلام، ومن ذلك أنه لم يسم فيه الملكان بمنكر ونكير وهو ثابت في حديث الترمذي، وقد أطبق أهل السنة على اعتباره ولم يخالف فيه إلا المعتزلة فقالوا: لا يجوز أن تسمى الملائكة بمنكر ونكير، ولم يلتفت أهل السنة إلى قولهم اعتماداً على ما جاء في بعض طرق الحديث إلى غير ذلك من الزيادات الواقعة في أحاديث السؤال على كثرتها فإنها أكثر من سعبين حديثاً ما

الصفحة 182