كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 183 """"""
من حديث منها إلا وفيه زيادة ليست في غيره، فمن لم يقف إلا على حديث واحد من سبعين حديثاً حقه أن يسكت مع الساكتين ولا يقدم على رد الأحاديث وإلغائها، وتأويل حديث البخاري أنه يقال له نم صالحاً عند آخر جواب يجيب به في آخر يوم يسأل فيه وذلك من المحذوفات المطوي ذكرها في الحديث كسائر ما حذف منه، وما أحسن ما وقع للحافظ أبي عمر بن عبد البر حيث تكلم على الحديث في الموطأ، وغيره أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة فقال: والجواب عن ذلك أنه قد ثبت إمامة جبريل لوقتين، ما بين هذين وقت وهذه زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها وليس ترك الإتيان بحجة وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في رواية من أجمل واختصر، انتهى كلام ابن عبد البر.
ووقع أيضاً أنه تكلم على حديث ثم روى من طرق مرسلة زيادة عليه ثم قال: ومراسيل مثل هؤلاء عند مالك حجة وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ وحديث هؤلاء بالصواب أولى لأنهم زادوا وأوضحوا وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله هذه عبارته وقال القرطبي في شرح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صومه وقيامه: هذا الحديث اشتهر وكثرت رواته فكثر اختلافه حتى ظن من لا بصيرة عنده أنه مضطرب وليس كذلك فإنه إذا تتبع اختلافه وضم بعضه إلى بعض انتظمت صورته وتناسب مساقه إذ ليس فيه اختلاف تناقض ولا تهاتر، بل يرجع اختلافه إلى أن بعضهم ذكر ما سكت عنه غيره وفصل بعض ما أجمله غيره انتهى، ولا شك في أنه لا منافاة بين حديث السبعة وحديث البخاري فإنه يجمع بينهما بأن معنى حديث البخاري قد أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك إلى آخره أن ذلك يقع في سبعة أيام لأنه لفظ مطلق صادق بالمرة وبأكثر، فإذا روى الثقة أن ذلك يقع سبعاً وجب قبوله وحمل آخر الحديث وهو قوله نم صالحاً على أن ذلك يقع عند انتهاء الفتنة وذلك بآخر يوم منها.
ولنختم الكتاب بلطائف: الأولى: أن سنة الإطعام سبعة أيام بلغني أنها مستمرة إلى الآن بمكة والمدينة فالظاهر أنها لم تترك من عهد الصحابة إلى الآن وأنهم أخذوها خلفاً عن سلف إلى الصدر الأول. [ورأيت] في التواريخ كثيراً في تراجم الأئمة يقولون: وأقام الناس على قبره سبعة أيام يقرؤون القرآن، وأخرج الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في كتابه المسمى تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري سمعت الشيخ الفقيه أبا الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي يقول: توفي الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي في يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة تسعين وأربعمائة بدمشق وأقمنا على قبره سبع ليال نقرأ كل ليلة عشرين ختمة.
الثانية: قد عرف أنه يستثنى جماعة لا يسألون أصلاً كالصديق، والشهيد، والمرابط، ومن ألحق بهم، ومن اللطائف في ذلك ما أورده الجزولي من أئمة المالكية في شرح الرسالة قال: روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (إن منكراً ونكيراً ينزلان بالميت في قبره وهما فظان غليظان

الصفحة 183