كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
مال نفسه على نية إعادته للمسجد فالأمر كذلك أيضاً أو على نية التملك فهذا لا يجوز وكيف يبني على نية التملك في أرض المسجد الشريف؟
الخامس: أن هذا الجدار المعاد لا يخلو إما أن يمحض جداراً للمسجد الشريف أو يجعل جداراً للدار التي تبنى ملاصقة ويكتفي به عن إعادة جدار المسجد أو يجعل جداراً لها ويعاد جدار المسجد كما كان، فإن كان الثالث فهو المطلوب، وإن كان الثاني لم يجز إهمال إعادة جدار المسجد بل يجب على الإمام الأعظم أو الحاكم الشافعي ناظر الحرم الشريف إعادة جدار المسجد ولا يتركه مهدوماً ويزيد ذلك تحريماً أن يبنى على أرض المسجد ويجعل جداراً للدار، فهذا فيه أخذ قطعة من المسجد وإدخالها في الدار وهو ممنوع، وإن كان الأول وجب فصل الدار منه ولم يجز أن ينتفع بجدار المسجد في الدار.
السادس: أن قوله صلى الله عليه وسلّم: (سدو الأبواب اللاصقة في المسجد) [يدل على أنه لم يخص الحكم بجداره بل علقه باللصوق في المسجد] أي كونه متصلاً به فيشمل ذلك كل باب لصق به من أي جدار كان.
السابع: أن الحديث الآتي وهو قوله صلى الله عليه وسلّم: (لو بني مسجدي هذا إلى صنعاء كان مسجدي) دل على استواء القدر الذي كان في عهده مسجداً والذي يحدث بعده في الحكم فكذلك يستوي الجدار الذي كان في عهده والذي يحدث بعده في الحكم.
الثامن: لو قدر والعياذ بالله احتياج بعض حيطان الكعبة إلى هدم وإصلاح فهدمها الإمام وأعادها فهل يقول قائل إن الحائط الذي أعاده ملك له يفتح فيه ما شاء ويتصرف فيه كيف شاء ولا يخرج عن ملكه حتى يوقفه؟ فإن قيل بذلك ففي غاية السقوط، وإن لم يقل به فحائط المسجد النبوي كذلك، إذ الحرمان الشريفان مستويان في غالب الأحكام، وقياس الحرم النبوي على الحرم المكي أشبه من قياسه على سائر المساجد لما له من الخصوصيات لا سيما مع ما ورد فيه من النصوص في هذا الحكم بعينه.
التاسع: قد ذكر الأقفهسي أن الملك الظاهر بيبرس هو الذي أحدث المقصورة حول الحجرة الشريفة سنة ثمان وستين وستمائة وأنه فعل ذلك ظناً منه أنه زيادة تعظيم وحرمة للحجرة، ثم أنكر الأقفهسي هذا الفعل لكونه حجر طائفة من الروضة الشريفة عن صلاة الناس فيها وصار هذا القدر مأوى النساء بأطفالهن أيام الموسم، ونقل عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة أن ذلك ذكر للملك الظاهر فسكت وما أجاب ثم قال: وهذا من أهم ما ينظر فيه انتهى. فانظر إلى توقف العلماء في هذا القدر مع أنه لم يرد فيه نص بمنع بل قصد التعظيم فيه والحرمة ظاهر فكيف بإحداث باب يشرع أو شبابيك يطلع منها أو يجلس فيها الجالس مرتفعاً مع مصادمة ذلك للنصوص وإن لم يظهر لمن قال بذلك اطراد الحرمة في الجدار المعاد فلا أقل من التوقف والورع في مثل هذا المحل الخطر.
العاشر: هل يظن ظان أو يتوهم متوهم أن النبي صلى الله عليه وسلّم خص المنع بالجدار بخلاً بجداره أو حرصاً عليه أو خشية أن يضعف الجدار؟ كلا والله بل إنما أراد بذلك منع الاستطراق

الصفحة 19