كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
والاطلاع إلى مسجده مع قطع النظر عن الجدار بخصوصه حسبما أمره الله وأوحى إليه.
الحادي عشر: هل كان المنع لعمر وغيره من حيث الجدار حتى لو فتحوا من جدارهم حيث لا جدار للمسجد لجاز لهم ذلك؟ الأحاديث تقتضي خلافه كما من مر عليها.
الثاني عشر: هذا المنع قد أسند النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الوحي ولم يبين علته، فإن أدرك له علة وهو تعظيم المسجد استمر ذلك إلى يوم القيامة في كل جدار، وإن لم يدرك علة استمر أيضاً فإن التخصيص إذا لم ينص يكون عن قياس وما لا تدرك علته لا يدخله القياس كسائر الأمور التوقيفية والتعبدية وإن قال قائل: العلة اختصاصه بالجدار قلنا: ليس هذا بعلة، وإن قال: العلة خوف إضعافه، قلنا: هي علة ساقطة لأن الصحابة كانوا يلتزمون بناءه كلما وهي فدل على أنه إنما يعلل بتعظيم المسجد فيعم المسجد أو غير معلل بل هو حكم أمر الله نبيه أن يأمر به ولم يطلع على علته.
الثالث عشر: قد وقع في الأحاديث التصريح بأن هذا عهد عهد به صلى الله عليه وسلّم عند وفاته وقد علم صلى الله عليه وسلّم ما هو كائن في أمته إلى أن تقوم الساعة، وعلم من جملة ذلك أنه يقع في خلافة عمر إزالة تلك الجدر الموجودة وذلك بعد وفاته بسنين قليلة، فلو كان الحكم الذي عهد به مختصاً بتلك الجدر لبينه لعلمه بزوالها عن قريب.
الرابع عشر: قد ورد عن عائشة أنها كانت تمنع أهل الدور المطيفة بالمسجد من دق الوتد في الحائط وذلك بعد إزالة الجدر التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلّم فدل على أن الجدر التي أعيدت لها حكم الجدر الأول.
الخامس عشر: قوله صلى الله عليه وسلّم: (لا يبقين في المسجد باب إلا سد) يدل على أن الحكم معلق بالمسجد ولم يقل لا يبقين في الجدار.
السادس عشر: ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن دار أبي بكر التي أبقيت فيها الخوخة باعها أبو بكر في أمر احتاج إليه فاشترتها حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف فلما وسع المسجد في زمن عثمان طلب منها أن تبيعها ليوسع بها المسجد فامتنعت وقالت: كيف بطريقي في المسجد؟ فهذا يدل على أن الصحابة فهموا من الأمر الشريف الاختصاص بالمسجد لا بالجدار امتناع فتح الأبواب ونحوها ولو بعد توسعة المسجد وهدم الجدار النبوي.
السابع عشر: أن ابن الصلاح سئل عن رباط موقوف على الصوفية اقتضت المصلحة أن يفتح فيه باب جديد مضافاً إلى بابه القديم فأجاب بالجواز بشروط واستدل بفعل عثمان رضي الله عنه حيث فتح في المسجد النبوي أبواباً زيادة على ما كان، وهذا من ابن الصلاح دليل على أنه فهم أن الجدار المعاد له حكم الجدار الأول عثمان رضي الله عنه إنما فتح في جداره الذي بناه هو بعد إزالة الجدر النبوية والجدر العمرية، فلو كان الحكم مختلفاً لم ينهض لابن الصلاح الاستدلال بذلك لأنه يقال له في الفرق جدار الرباط جدار الواقف فلا يفتح فيه، والجدار الذي فتح فيه عثمان ليس جدار الواقف بل هو جدار وملكه فيبطل

الصفحة 20