"""""" صفحة رقم 208 """"""
وفي قوله: جد أبيك ولم يقل جدك تقوية للحديث الضعيف الذي قدمنا ذكره أن الله أحيا أباه وأمه وآمنا به ف الله أعلم.
قال: ويحتمل أنه أراد تخويفها بذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلّم حق وبلوغها معهم الكدى لا يوجب خلوداً في النار، هذا كله كلام السهيلي بحروفه، وقال الشهرستاني في الملل والنحل: ظهر نور النبي صلى الله عليه وسلّم في أسارير عبد المطلب بعض الظهور وببركة ذلك النور ألهم النذر في ذبح ولده وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور، وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال: والله إن وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء باساءته، وببركة ذلك النور قال لأبرهة: إن لهذا البيت رباً يحفظه، ومنه قال وقد صعد أبا قبيس:
لاهم أن المرء يمنع
رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم يوماً محالك
وانصر على آل الصليب
وعابديه اليوم آلك
انتهى كلام الشهرستاني ويناسق ما ذكره ما أخرجه ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس قال: كانت الدية عشراً من الإبل وعبد المطلب أول من سن دية النفس مائة من الإبل فجرت في قريش والعرب مائة من الإبل وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وينضم إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم انتسب إليه يوم حنين فقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وهذا أقوى ما تقوى به مقالة الإمام فخر الدين ومن وافقه لأن الأحاديث وردت في النهي عن الانتساب إلى الآباء الكفار، روى البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل أن رجلين انتسبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان أنا فلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما أنا فلان بن فلان إلى تسعة وقال الآخر أنا فلان بن فلان ابن الإسلام فأوحى الله إلى موسى هذان المنتسبان أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة آباء في النار فأنت عاشرهم في النار، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين فأنت ثالثهما في الجنة). وروى البيهقي أيضاً عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وشرفاً فهو عاشرهم في النار). وروى البيهقي أيضاً عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحدح الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية). وروى البيهقي أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها).