كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم في علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت :
بارك فيك الله من غلام
يا ابن الذي من حومة الحمام
نجا بعون الملك المنعام
فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من إبل سوام
إن صح ما أبصرت في المنام
فأنت مبعوث إلى الأنام
من عند ذي الجلال والإكرام
تبعث في الحل وفي الحرام
تبعث بالتحقيق والإسلام
دين أبيك البر ابراهام
ف الله أنهاك عن الأصنام
أن لا تواليها مع الأقوام
ثم قالت : كل حي ميت وكل جديد بال ، وكل كبير يفنى ، وأنا ميتة وذكري باق ، وقد تركت خيراً ، وولدت طهراً ثم ماتت ، فكنا نسمع نوح الجن عليها فحفظنا من ذلك :
نبكى الفتاة البرة الأمينه
ذات الجمال العفة الرزينه
زوجة عبد الله والقرينه
أم نبي الله ذي السكينه
وصاحب المنبر بالمدينه
صارت لدى حفرتها رهينه
فأنت ترى هذا الكلام منها صريحاً في النهي عن موالاة الأصنام مع الأقوام والاعتراف بدين إبراهيم ويبعث ولدها إلى الأنام من عند ذي الجلال والإكرام بالإسلام. وهذه الألفاظ منافية للشرك ، وقولها تبعث بالتحقيق كذا هو في النسخة وعندي أنه تصحيف وإنما هو بالتخفيف ، ثم إني استقرأت أمهات الأنبياء عليهم السلام فوجدتهن مؤمنات ؛ فأم إسحاق ، وموسى ، وهرون ، وعيسى ، وحواء أم شيث مذكورات في القرآن بل قيل بنبوتهن ، ووردت الأحاديث بإيمان هاجر أم إسماعيل ، وأم يعقوب ، وأمهات أولاده ، وأم داود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وشمويل ، وشمعون ، وذي الكفل ، ونص بعض المفسرين على إيمان أم نوح ، وأم إبراهيم ورجحه أبو حيان في تفسيره وقد تقدم عن ابن عباس أنه لم يكن بين نوح وآدم والد كافر ولهذا قال : ) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً ( وقال إبراهيم : ) رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ( ولم يعتذر عن استغفار إبراهيم في القرآن إلا لأبيه خاصة دون أمه فدل على أنها كانت مؤمنة ، وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس قال : كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وإبراهيم. وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ومحمد عليهم السلام ، وبنو إسرائيل كلهم كانوا مؤمنين لم يكن فيهم كافر إلى أن بعث عيسى فكفر به من كفر فأمهات الأنبياء الذين من بني إسرائيل كلهن مؤمنات وأيضاً فغالب أنبياء بني إسرائيل كانوا أولاد أنبياء أو أولاد أولادهم ، فإن النبوة كانت تكون

الصفحة 211