"""""" صفحة رقم 213 """"""
عشرين ومائة في بني إسرائيل إسناده صحيح، ومما يؤكد ذلك أن السورة مدنية وأكثر ما خوطب فيها اليهود، ويرشح ذلك من حيث المناسبة أن الجحيم اسم لما عظم من النار كما هو مقتضى اللغة والآثار أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله تعالى:) أصحاب الجحيم (قال: الجحيم ما عظم من النار، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى:) لها سبعة أبواب (قال: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، قال: والجحيم فيها أبو جهل إسناده صحيح أيضاً فاللائق بهذه المنزلة من عظم كفره واشتد وزره وعاند عند الدعوة وبدل وحرف وجحد بعد علم لا من هو بمظنة التخفيف، وإذا كان قد صح في أبي طالب أنه أهون أهل النار عذاباً لقرابته منه صلى الله عليه وسلّم وبره به مع إدراكه الدعوة وامتناعه من الإجابة وطول عمره فما ظنك بأبويه اللذين هما أشد منه قرباً وأكد حباً وأبسط عذراً وأقصر عمراً، فمعاذ الله أن يظن بهما أنهما في طبقة الجحيم، وأن يشدد عليهما العذاب العظيم، هذا لا يفهمه من له أدنى ذوق سليم، وأما حديث أن جبريل ضرب في صدره وقال: لا تستغفر لمن مات مشركاً فإن البزار أخرجه بسند فيه من لا يعرف وأما حديث نزول الآية في ذلك، فضعيف أيضاً والثابت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب وقوله صلى الله عليه وسلّم له: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). وأما حديث: (أمي مع أمكما) فأخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح وشأن المستدرك في تساهله في التصحيح معروف، وقد تقرر في علوم الحديث أنه لا يقبل تفرده بالتصحيح، ثم أن الذهبي في مختصر المستدرك لما أورد هذا الحديث ونقل قول الحاكم صحيح قال عقبه: قلت لا والله فعثمان بن عمير ضعفه الدارقطني، فبين الذهبي ضعف الحديث وحلف عليه يميناً شرعياً، وإذا لم يكن في المسألة إلا أحاديث ضعيفة كان للنظر في غيرها مجال.
الأمر الرابع: مما ينتصر به لهذا المسلك أنه قد ثبت عن جماعة كانوا في زمن الجاهلية أنهم تحنفوا وتدينوا بدين إبراهيم عليه السلام وتركوا الشرك فما المانع أن يكون أبوا النبي صلى الله عليه وسلّم سلكوا سبيلهم في ذلك؟ قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في التلقيح: تسمية من رفض عبادة الأصنام في الجاهلية. أبو بكر الصديق، زيد بن عمرو بن نفيل، عبيد الله بن جحش، عثمان بن الحويرث، ورقة بن نوفل، رباب بن البراء، أسعد أبو كريب الحميري، قس بن ساعدة الأيادي، أبو قيس بن صرمة انتهى.
وقد وردت الأحاديث بتحنف زيد بن عمرو، وورقة، وقيس، وقد روى ابن إسحاق وأصله في الصحيح تعليقاً عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مستنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم. قلت: وهذا يؤيد ما تقدم في المسلك الأول أنه لم يبق إذ ذاك من يبلغ الدعوة ويعرف حقيقتها على وجهها.