كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 214 """"""
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل يعبدون الحجارة ، وأخرج البيهقي ، وأبو نعيم كلاهما في الدلائل من طريق الشعبي عن شيخ من جهينة أن عمير بن حبيب الجهني ترك الشرك في الجاهلية وصلى لله وعاش حتى أدرك الإسلام ، وقال إمام الأشاعرة الشيخ أبو الحسن الأشعري ، وأبو بكر : ما زال بعين الرضا منه فاختلف الناس في مراده بهذا الكلام فقال بعضهم : إن الأشعري يقول : إن أبا بكر الصديق كان مؤمناً قبل البعثة. وقال آخرون : بل أراد أنه لم يزل يحالة غير مغضوب فيها عليه لعلم الله تعالى بأنه سيؤمن ويصير من خلاصة الأبرار ، قال الشيخ تقي الدين السبكي : لو كان هذا مراده لاستوى الصديق وسائر الصحابة في ذلك ، وهذه العبارة التي قالها الأشعري في حق الصديق لم تحفظ عنه في حق غيره فالصواب أن يقال : إن الصديق لم يثبت عنه حالة كفر بالله فلعل حاله قبل البعث كحال زيد ابن عمرو بن نفيل وأقرانه فلهذا خصص الصديق بالذكر عن غيره من الصحابة ، انتهى كلام السبكي.
قلت : وكذلك نقول في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم أنهما لم يثبت عنهما حالة كفر بالله فلعل حالهما كحال زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي بكر الصديق ، وأضرابهما مع أن الصديق ، وزيد ابن عمرو إنما حصل لهما التحنف في الجاهلية ببركة النبي صلى الله عليه وسلّم فإنهما كانا صديقين له قبل البعثة وكانا يوادانه كثيراً فأبواه أولى بعود بركته عليهما وحفظهما مما عليه أهل الجاهلية.
فإن قلت : بقيت عقدة واحدة وهي ما رواه مسلم عن أنس ( أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ). وحديث مسلم ، وأبي داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلّم استأذن في الإستغفار لأمة فلم يؤذن له فاحلل هذه العقدة.
قلت : على الرأس والعين. الجواب : أن هذه اللفظة وهي قوله : إن أبي وأباك في النار لم يتفق على ذكرها الرواة وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهي الطريق التي رواه مسلم منها وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار ولكن قال له : إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلّم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمراً أثبت من حماد ، فإن حماداً تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ، ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئاً ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل : ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة ، وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت ، ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ رواية معمر عن ثابت عن أنس فأخرج البزار ، والطبراني ، والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابياً قال

الصفحة 214