كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 215 """"""
لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أين أبي ؟ قال : في النار قال : فأين أبوك ؟ قال حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ) وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الإعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره وقد زاد الطبراني ، والبيهقي في آخره قال فأسلم الأعرابي بعد فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعباً ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ، وقد أخرج ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان فأين هو ؟ قال : في النار قال : فكأنه وجد من ذلك فقال : يا رسول الله فأين أبوك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار قال : فأسلم الأعرابي بعد قال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعباً ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ).
فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلّم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمراً مقتضياً للامتثال فلم يسعه إلا امتثاله ، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البته ، فعلم أن هذا اللفظ الأول من تصرف الرواي رواه بالمعنى على حسب فهمه ، وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي وغيره أثبت منه كحديث مسلم عن أنس في نفي قراءة البسملة ، وقد أعله الإمام الشافعي رضي الله عنه بذلك وقال : إن الثابت من طريق آخر نفي سماعها ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه فاخطأ ، ونحن أجبنا عن حديث مسلم في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا [ الإمام ] الشافعي رضي الله عنه عن حديث مسلم في نفي قراءة البسملة. ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضاً بما تقدم من الأدلة والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول ، وبهذا الجواب الأخير يجاب عن حديث عدم الإذن في الاستغفار لأمه على أنه يمكن فيه دعوى عدم الملازمة بدليل أنه كان في صدر الإسلام ممنوعاً من الصلاة على من عليه دين وهو مسلم ، فلعله كانت عليها تبعات غير الكفر فمنع من الاستغفار لها بسببها والجواب الأول أقعد وهذا تأويل في الجملة ثم رأيت طريقاً أخرى للحديث مثل لفظ رواية معمر وأزيد وضوحاً وذلك أنه صرح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلّم فعدل عن ذلك تجملاً وتأدباً. فأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن لقيط بن عامر ( أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق فقال : قدمنا المدينة لانسلاخ رجب فصلينا معه صلاة الغداة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الناس خطيباً فذكر الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهلية من خير ؟ فقال رجل من عرض قريش أن أباك المنتفق في النار فكأنه وقع حربين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل فقلت وأهلك يا رسول الله فقال : ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك ) هذه رواية لا إشكال فيها وهي أوضح الروايات وأبينها.

الصفحة 215