كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 217 """"""
خلاف ما تقول، فإن كان الذي يجادل بذلك من أهل مذهبنا شافعي المذهب أقول له: قد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم لم يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وأنت لا تصحح الصلاة بدون البسملة، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلّم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون). وأنت إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده تقول سمع الله لمن حمده مثله، وإذا صلى جالساً لعذر وأنت قادر تصلي خلفه قائماً لا جالساً، وثبت في الصحيحين في حديث التيمم: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه ضربة واحدة ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وأنت لا تكتفي في التيمم بضربة واحدة ولا بالمسح إلى الكوعين فكيف خالفت الأحاديث التي ثبتت في الصحيحين أو أحدهما؟ فلا بد إن كانت عنده رائحة من العلم أن يقول قامت أدلة أخرى معارضة لهذه فقدمت عليها. فأقول له: وهذا مثله لا يحتج عليه إلا بهذه الطريقة فإنها ملزمة له ولأمثاله، وإن كان المجادل مالكي المذهب أقول له: قد ثبت في الصحيحين (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وأنت لا تثبت خيار المجلس، وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم توضأ ولم يمسح كل رأسه وأنت توجب في الوضوء مسح كل الرأس فكيف خالفت ما ثبت في الصحيح؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له فقدمت عليه. فأقول له: وهذا مثله، وإن كان المجادل حنفي المذهب أقول له: قد ثبت في الصحيح (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً) وأنت لا تشترط في النجاسة الكلبية سبعاً وثبت في الصحيحين: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وأنت تصحح الصلاة بدونها وثبت في الصحيحين: (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً) وأنت تصحح الصلاة بدون الطمأنينة في الاعتدال وصح في الحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً) وأنت لا تعتبر القلتين وصح في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلّم باع المدبر وأنت لا تقول ببيع المدبر خالفت هذه الأحاديث الصحيحة؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة لها تقدمت عليها. فأقول له: وهذا مثله، وإن كان المجادل حنبلي المذهب أقول له: قد ثبت في الصحيحين: (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم) وثبت فيهما (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) وأنت تقول بصيام يوم الشك فكيف خالفت ما ثبت في الصحيحين؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له تقدمت عليه فأقول له: وهذا مثله.
هذا أقرب ما يقرب به لأذهان الناس اليوم، وإن كان المجادل مما يكتب الحديث ولا فقه عنده يقال له: قد قالت الأقدمون المحدث بلا فقه كعطار غير طبيب فالأدوية حاصلة في دكانه ولا يدري لماذا تصلح والفقيه بلا حديث كطبيب ليس بعطار يعرف ما تصلح له الأدوية إلا أنها ليست عنده، وإني بحمد الله قد اجتمع عندي الحديث، والفقه، والأصول، وسائر الآلات من العربية، والمعاني، والبيان، وغير ذلك، فأنا أعرف كيف أتكلم وكيف

الصفحة 217