كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 218 """"""
أقول وكيف أستدل وكيف أرجح، وأما أنت يا أخي وفقني الله وإياك فلا يصلح لك ذلك لأنك لا تدري الفقه ولا الأصول ولا شيئاً من الآلات والكلام في الحديث والاستدلال به ليس بالهين، ولا يحل الإقدام على التكلم فيه لمن يجمع هذه العلوم فاقتصر على ما آتاك الله وهو أنك إذا سئلت عن حديث تقول ورد أو لم يرد وصححه الحفاظ وحسنوه وضعفوه، ولا يحل لك في الإفتاء سوى هذا القدر وخل ما عدا ذلك لأهله.
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وثم أمر آخر أخاطب به كل ذي مذهب من مقلدي المذاهب الأربعة وذلك أن مسلماً روى في صحيحه عن ابن عباس أن الطلاق الثلاث كان يجعل واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأبي بكر، وصدراً من إمارة عمر. فأقول لكل طالب علم: هل تقول أنت بمقتضى هذا الحديث وأن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً تطلق واحدة فقط؟ فإن قال نعم أعرضت عنه وإن قال لا أقول له: فكيف تخالف ما ثبت في صحيح مسلم؟ فإن قال لما عارضه أقولم له: فاجعل هذا مثله والمقصود من سياق هذا كله أنه ليس كل حديث في صحيح مسلم يقال بمقتضاه لوجود المعارض له.
المسلك الثالث: أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به. وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم. منهم ابن شاهين، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، والسهيلي، والقرطبي، والمحب الطبري، والعلامة ناصر الدين بن المنير، وغيرهم واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، والخطيب البغدادي في السابق واللاحق، والدارقطني، وابن عساكر كلاهما في غرائب مالك بسند ضعيف عن عائشة قالت: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجة الوداع فمر بي على عقبة بالحجون وهو باك حزين مغتم فنزل فمكث عني طويلاً ثم عاد إليّ وهو فرح متبسم فقلت له فقال ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين بل قيل إنه موضوع لكن الصواب ضعفه لا وضعه، وقد ألفت في بيان ذلك جزءاً مفرداً، وأورد السهيلي في الروض الأنف بسند قال: إن فيه مجهولين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما، وقال السهيلي بعد إيراده: الله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلّم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته، وقال القرطبي: لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار، فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع ولذلك جعله ابن شاهين ناسخاً لما ذكر من الأخبار، وقال العلامة ناصر الدين بن المنير المالكي في كتاب المقتفى في شرف المصطفى: قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلّم إحياء الموتى نظير ما وفع لعيسى ابن مريم إلى أن قال: وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحيي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقا وماتا مؤمنين، وقال القرطبي: فضائل النبي صلى الله عليه وسلّم لم تزل وتتتابع إلى حين مماته فيكون

الصفحة 218