كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 22 """"""
الخامس والعشرون: قد صرح العلماء بأن ملك النبي صلى الله عليه وسلّم ثابت بعد موته لثبوت الحياة له، ولهذا أنفق على زوجاته بعد وفاته من سهمه الذي كان يستحقه، فكذلك يبنى منه ما تهدم من مسجده ويعاد على وضعه وشرطه من غير تعد ولا تصرف.
السادس والعشرون: لا شك في أن جميع ما بأيدي الملوك الآن هو مال بيت المال وليس في أيديهم شيء يثبت أنه ملكها بالطريق الشرعي، وأي جهة فرضت فعنها الجواب الشافي فالحائط المعاد لم يبن بمال نفسه فلا ملك له فيه.
السابع والعشرون: قد أنكر النبي صلى الله عليه وسلّم من حيث المعنى على قريش حيث تصرفوا في الكعبة لما بنوها ولم يعيدوها على بناء إبراهيم وسدوا أحد بابيها وغيروا موضع الآخر وهمَّ بهدمها وإعادة البابين كما كانا لولا حدثان عهدهم بالجاهلية فما منعه من ذلك إلا مصلحة التآلف على الإسلام وخوف ارتدادهم إلى الكفر، وهذا يدل على أن البناء المعاد له حكم ما كان قبل الهدم، وإلا كان يقال أن قريشاً إنما تصرفت في بنائها الذي بنته من مالها، وأن بناء إبراهيم قد ذهبت عينه وزال رسمه، ولهذا قال السبكي فيما سيأتي نقله عنه: أن همّ النبي صلى الله عليه وسلّم بفتح الباب الثاني في الكعبة رد لما كانت عليه أولاً، ولا فرق بين ما بناه إبراهيم صلى الله عليه وسلّم بالوحي وبين ما بناه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلّم بالوحي، وإنما قد يفرق بين ذلك وبين سائر المساجد التي بناها آحاد الناس أن سلم الفرق وقد وقع في كلام ابن الصلاح قياس رباط الصوفية في إحداث باب فيه على الكعبة.
الثامن والعشرون: صرح ابن العماد في أحكام المساجد بأنه لو كانت المساجد متلاصقة فأراد الناظر رفع الجدار التي بينها وجعلها مسجداً واحداً لم يجز له ذلك لأنه يؤدي إلى تغيير معالم الوقف، وكذلك لا يجوز ترك جدار المسجد النبوي والاقتصار على جدار واحد يجعل للمدرسة التي تلاصقه مكتفياً به عن جدار المسجد على جهة الاختصاص بالمدرسة أو الاشتراك بينها وبين المسجد، بل لا بد من جدار للمسجد متميز منفصل عن جدار غيره يختص به وتجري عليه أحكامه.
التاسع والعشرون: هذه المدرسة إن لم تكن مسجداً كما هو المعروف في المدارس والربط فلا يجوز الاشتراك بينها وبين المسجد في الجدار، إذ لا يتميز حينئذ جدار المسجد الذي حكمه حكم المسجد من جدار المسجد المدرسة الذي لا يعطي حكم المسجد من وجوه، منها تحريم مكث الجنب وصحة الاقتداء والاعتكاف وتحريم البصاق وحمل الجذوع وإعادته إذا هدم من مال الوقف أو مال بيت المال إلى غير ذلك، وإن كانت مسجداً فينظر إلى ما أورده المفسرون من الأحاديث والآثار في آخر سورة براءة، ومنهم من قال: المنع مخصوص بالقدر الذي كان في عهده صلى الله عليه وسلّم فأما الزيادة التي وسع بها فلا وهذا مردود بنص العلماء، على أن المسجدين ولو وسعا معاً لم تختلف أحكامهما الثابتة لهما وقد وسع في زمن عثمان وغيره واستمر الصحابة على إبقاء الحكم المذكور. وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (لو بني مسجدين هذا إلى صنعاء كان

الصفحة 22