كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 225 """"""
يد العبد فكان الحق وقوعها والباطل امتناعها لما تقدم بيانه ، هذا مع أن العبد يرى أنه قد أطاع وما خالف فيكون منادياً على نفسه بلسان حال رؤيته طاعته مولاه بدعوى القدرة على المخالفة في حال الإطاعة حقيقة فعدل عن المخالفة للطاعة فأطاع ، وإذا كان بهذه الحالة في حال جريان الفضل المقدور المسمى بالطاعة فهو في عين المعصية ، فتبين من هنا أن نسبة الطاعة له مجاز كنسبتها للسموات والأرض وقد فهم الغرض إن شاء الله ، ومن هذا الموطن يفهم معنى قوله عز وجل لسيد خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام : ) ليس لك من الأمر شيء ( وقوله تعالى أيضاً له صلى الله عليه وسلّم : ) وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ( ، ثم قال : ففي أيهما [ أخافك وفي أيهما ] أرجوك إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لي خوفاً أو قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاءً يريد والله أعلم إن رأيت معصيتي لك مني حيث الأدب الشرعي قام الخوف بي منك فاطفأه وارد الفضل منك عليّ بإشهادي الحقيقة من لدنك ) لو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( فينزهق الخوف هنا ، وقوله رضي الله عنه : وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاءً يريد والله أعلم وإن رأيت طاعتي مني لك من حيث النسب الشرعي قام الرجاء بي فأفناه وارد العدل منك علي بإشهادي الحقيقة من لدنك ) وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله تعالى عما يشركون (
وإذ قد تقرر هذا فلتعلم أن للفضل تعلقات وللعدل تعلقات وكلاهما دالان على غناه عن كل شيء ، فمن تعلقات فضله ما يعامل به من عصاه من ستر وبر وعطف ولطف وحنان وإحسان وجود وبسط يد الرحمة للعاصي من غير حدود ، ومن متعلقات عدله ما يعامل به من أطاعه من قبض في الرزق ودحوض بين الخلق وضعف في الجسد وقلة حظ في الأهل والمال والبلد والإخوان والأخدان والولد.
وإذ قد تبين هذا فاعلم أن مقابلة العاصي بأثر من آثار الفضل في حال عصيانه بما يزيل عنه الخوف ، ومقابلة الطائع بأثر من آثار العدل في حال طاعته ربما يزيل عنه الرجاء وذلك لأنه لا بد له من ورود أثر الفضل على سلامة العاقبة ، ولا بد له من ورود أثر العدل على عطب العاقبة ، وإذا كان الأمر كذلك وقع الإيهام على الخلق فجاء المراد بقوله تعالى : ) وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ( وهو رؤية الأشياء منه حقيقة مع التبري من الحول والقوة منها حقيقة ورد الأشياء اللائقة بالنسب للعباد كسباً شريعة مع الانسلاخ عن لحوظ الحظوظ توكلاً عليه واستسلاماً إليه وفناءً له بين يديه ، وهذا مقتضى العبودية والعبادة في ضمن ما أشار الأستاذ إليه حسب فهمي عنه في هذا القول ، والله أسأل المغفرة وهو حسبي ونعم الوكيل.
ثم بعد مدة رأيت فائدة :
لقد رمز الأشياخ سراً مكتما
عن القاف لم يبدوا لها أبداً حلا
يقولون عند القاف قف لترى الذي
أردناه لا تبغي به بدلاً أصلا

الصفحة 225