كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 227 """"""
وربما نسب إلى قوم أكابر فرقمت في هذه الكراسة ما يبين الحال ويزيل الإشكال وفيه مقالات : المقال الأول : إن هذا الحديث ليس بصحيح وقد سئل عنه النووي في فتاويه فقال إنه ليس بثابت ، وقال ابن تيمية موضوع ، وقال الزركشي في الأحاديث المشتهرة : ذكر ابن السمعاني أنه من كلام يحيى بن معاذ الرازي.
المقال الثاني : في معناه قال النووي في فتاويه : معناه من عرف نفسه بالضعف والافتقار إلى الله والعبودية له عرف ربه بالقوة والربوبية والكمال المطلق والصفات العلى ، وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن : سمعت شيخنا أبا العباس المرسي يقول : في هذا الحديث تأويلان : أحدهما : أي من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقرها عرف الله بعزه وقدرته وغناه فتكون معرفة النفس أولاً ثم معرفة الله من بعد. والثاني : أن من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف الله من قبل ، فالأول حال السالكين والثاني حال المجذوبين. وقال أبو طالب المكي في قوت القلوب : معناه إذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه عرفت منها صفات خالقك وأنه يكره ذلك فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به. وقال الشيخ عز الدين : قد ظهر لي من سر هذا الحديث ما يجب كشفه ويستحسن وصفه وهو أن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح الروحانية في هذه الجثة الجثمانية لطيفة لاهوتية موضوعة في كتيفة ناسوتية دالة على وحدانيته وربانيته.
ووجه الاستدلال بذلك من عشرة أوجه : الأول : أن هذا الهيكل الإنساني لما كان مفتقراً إلى مدبر ومحرك وهذه الروح مدبرة ومحركة علمنا أن هذا العالم لا بد له من مدبر ومحرك.
الوجه الثاني : لما كان مدبر الهيكل واحداً وهو الروح علمنا أن مدبر هذا العالم واحداً لا شريك له في تدبيره ولا جائز أن يكون له شريك في ملكه قال الله تعالى : ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وقال تعالى : ) لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ( وقال تعالى : ) وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (.
الوجه الثالث : لما كان هذا الجسد لا يتحرك إلا بإرادة الروح وتحريكها له علمنا أنه مريد لما هو كائن في كونه لا يتحرك متحرك بخير أو شر إلا بتقديره وإرادته وقضائه.
الوجه الرابع : لما كان لا يتحرك في الجسد شيء إلا بعلم الروح وشعورها به لا يخفى على الروح من حركات الجسد وسكناته شيء علمنا أنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

الصفحة 227