كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 228 """"""
الوجه الخامس : لما كان هذا الجسد لم يكن فيه شيء أقرب إلى الروح من شيء بل هو قريب إلى كل شيء في الجسد علمنا أنه أقرب إلى كل شيء ليس شيء أقرب إليه من شيء ولا شيء أبعد إليه من شيء ولا بمعنى قرب المسافة لأنه منزه عن ذلك.
الوجه السادس : لما كان الروح موجوداً قبل وجود الجسد ويكون موجوداً بعد عدم الجسد علمنا أنه سبحانه وتعالى موجوداً قبل كون خلقه ، ويكون موجوداً بعد فقد خلقه ما زال ولا يزال وتقدس عن الزوال.
الوجه السابع : لما كان الروح في الجسد لا يعرف له كيفية علمنا أنه مقدس عن الكيفية.
الوجه الثامن : لما كان الروح في الجسد لا يعلم له أينية علمنا أنه منزه عن الكيفية والأينية فلا يوصف بأين ولا كيف بل الروح موجودة في كل الجسد ما خلا منها شيء من الجسد ، وكذلك الحق سبحانه وتعالى موجود في كل مكان ما خلا منه مكان وتنزه عن المكان والزمان.
الوجه التاسع : لما كان الروح في الجسد لا يدرك بالبصر ولا يمثل بالصور علمنا أنه لا تدركه الأبصار ولا يمثل بالصور والآثار ولا يشبه بالشموس والأقمار ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (.
الوجه العاشر : لما كان الروح لا يحس ولا يمس علمنا أنه منزه عن الحس والجسم واللمس والمس ، فهذا معنى قوله من عرف نفسه عرف ربه فطوبى لمن عرف وبذنبه اعترف.
وفي هذا الحديث تفسير آخر وهو أنك تعرف أن صفات نفسك على الضد من صفات ربك ، فمن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء ، ومن عرف نفسه بالجفاء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء ، ومن عرف نفسه كما هي عرف ربه كما هو ، واعلم أنه لا سبيل لك إلى معرفة إياك كما إياك ، فكيف لك سبيل إلى معرفة إياه كما إياه ؟ فكأنه في قوله من عرف نفسه عرف ربه علق المستحيل لأنه مستحيل أن تعرف نفسك وكيفيتها وكميتها ، فإنك إذا كنت لا تطيق بأن تصف نفسك التي هي بين جنبيك بكيفية وأينية ولا بسجية ولا هيكلية ولا هي بمرئية ، فكيف يليق بعبوديتك أن تصف الربوبية بكيف وأين وهو مقدس عن الكيف والأين ؟ في ذلك أقول :
قل لمن يفهم عني ما أقول
قصر القول فذا شرح يطول
هو سر غامض من دونه
ضربت والله أعناق الفحول
أنت لا تعرف إياك ولا
تدر من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدر صفات ركبت
فيك حارت نفي خفاياها العقول
أين منك الروح في جوهرها
هل تراها فترى كيف تجول
هذه الأنفاس هل تحصرها
لا ولا تدري متى منك تزول

الصفحة 228