كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
مسجدي) وروى أيضاً عن عمر بن الخطاب قال: لو مد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى ذي الحليفة لكان منه. فهذا الحديث والأثر تصريح بأن أحكام المسجد ثابتة له ولو هدم عما كان في عهده صلى الله عليه وسلّم وأعيد ولو وسع وامتد، وأيضاً فالتوسعة لا تمنع استمرار الحكم لأنه يلزم من الاستطراق إلى القدر المزيد الاستطراق إلى بقية المسجد وهو القدر الذي كان في عهده فالمحذور باق.
فصل: وقد تعرض جماعة من متأخري أصحابنا للمسألة وعمموها في سائر المساجد، فسئل الشيخ تقي الدين عن باب فتح في سور المسجد هل بعد فتحه يجوز الاستطراق منه إلى المسجد مثل الأبواب التي في المسجد الحرام ومثل شباك الطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر أم لا يجوز ذلك؟ ويفرق بين أن يكون الجدار عريضاً بحيث يحتاج إلى وضع القدم في وسطه أم لا؟ فأجاب بأن هذه المسألة يتكلم فيها في موضعين: أحدهما في جواز فتح الباب المذكور الذي يظهر على قواعد مذهب الشافعي أنه لا يجوز، ولا يكاد الشافعية يرتابون في عدم إيجاز ذلك فإنهم يحترزون عن تغيير الوقف جداً، ولما فتح شباك الطيبرسية في جدار الجامع الأزهر عظم ذلك عليّ ورأيته من المنكرات، ولما فتح الشيخ علاء الدين في بيته في المدرسة الشريفية بالقاهرة شباكاً لطيفاً لأجل الضوء خشي الإنكار [عليه] فقال لي: إنه استند إلى كلام لابن الرفعة في المطلب شرح الوسيط ورأيت أنا ذلك الكلام عند قول الغزالي في تعليل الوجه القائل بأنه لا يجوز تزويج الجارية الموقوفة لأنه ينقص الوقف ويخالف غرض الواقف، فقال ابن الرفعة: قوله: ويخالف غرض الواقف يفهم أن أغراض الواقفين وإن يصرح بها ينظر إليها ولهذا كان شيخنا عماد الدين يقول: إذا اقتضت المصلحة تغيير بناء الوقف في صورته لزيادة ربعه جاز ذلك وإن لم ينص عليه الواقف بلفظه، لأن دلالة الحال شاهدة بأن ذلك لو ذكره الواقف حالة الوقف لأثبته في كتاب وقفه. قال ابن الرفعة: وقلت ذلك لشيخ الإسلام في وقته. وقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، وأن قاضي القضاة تاج الدين وولده قاضي القضاة صدر الدين عملا بذلك في بعض الوقف من تغيير باب من مكان إلى مكان فقال لي في جواب ذلك: كان والدي يعني الشيخ مجد الدين يقول: كان شيخي المقدسي يقول بذلك وأكثر منه قال الشيخ تقي الدين: وناهيك بالمقدسي أو كما قال: فأشعر ذلك كله برضاه فاغتبط ابن الرفعة بما استشعره من رضى الشيخ تقي الدين وكان قدوة زمانه في العلم والدين وكان بحيث يكتفي منه بأدنى من ذلك، والمقدسي شيخ والده مالكي فقيه محدث قدوة أيضاً، وقد قلت في شرح المنهاج: أن الذي أراه في ذلك الجزاز بشرطين. أحدهما: أن يكون يسيراً لا يغير مسمى الوقف، الثاني: أن لا يزيل شيئاً من عينه بأن ينقل بعضه من جانب إلى جانب، فإن اقتضى زوال شيء من العين لم يجز، فإذا وجد هذان الشرطان فلا بأس إذا كان في ذلك مصلحة للوقف، فهذا شرط ثالث لا بد منه وهو مقصودي في شرح المنهاج وإن لم أصرح به، وفتح شباك الطيبرسية لا

الصفحة 23