كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
عنه ببناء لطيف فيه فتحتان شرقية وغربية في جرية متلاصقتان لجهة الكعبة والدخول فيه من إحدى الفتحتين أو من فوق جداره اللطيف ما أظن أحداً يمنع منه ولا أدري هل دخله النبي صلى الله عليه وسلّم أو لا، ولكن جاء في الترمذي أنه قال لعائشة: (صلي فيه) والمعنى الذي قدمناه من تقرير النبي صلى الله عليه وسلّم أيضاً يكفي في مشروعية إبقائه والدخول فيه من تلك الفتحتين ومن التسور على جداره، وكيف كان فإن دعت الحاجة إلى الدخول فيه [جاز] الدخول منه كالدخول في الكعبة لاجتماع المعنيين، وإن لم تدع الحاجة كان الجواز لأجل جواز الإبقاء للحديث المذكور وللتقرير؟ وأما الأبواب المفتحة للحرم من أماكن لأصحابها فلا حاجة للمسلمين ولا للحرم بها فلا يجوز فتحها ولا يجوز ابقاؤها ولا حاجة إلى الدخول إلى الحرم منها، فلم يوجد فيها شيء من المعنيين اللذين في الكعبة فيظهر أن لا يجوز لأمرين: أحدهما معنى فإن شيخنا ابن الرفعة لما زينت القاهرة في سنة اثنتين وسبعمائة زينة عظيمة أفتى بتحريم النظر إليها قال: لأنها إنما تعمل لينظر إليها فهو العلة الغائية المطلوبة منها [ففي] تحريم النظر إليها حمل على تركها، وهكذا إذا تواطأ الناس على عدم الدخول منه كان ذلك داعياً إلى سده الواجب، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب وترك الواجب حرام، بل أقول إن الدخول منه دعاية إلى الحرام ودوامه فيكون حراماً، والثاني أن الوقف غير مملوك لنا وإنما جاز لنا التصرف فيه بإذن من الواقف شرطاً أو عرفاً على مقتضى الشرع، فوافق الجامع والحرم وغيرهما من المساجد ونحوها وقفه على صفة ليس لنا أن نتصرف فيه إلا على تلك الصفة، والدخول من ذلك المكان المفتوح لم يقتضه شرط الواقف فلا يكون مملوكاً لنا، وأيضاً فمن ملك مكاناً ملك تحته إلى تحت تخوم الأرض وفوقه إلى السماء والهواء الذي فوقه مملوك له فالداخل من الباب متصرف في هواء غيره بما لم يؤذن له فلا يجوز مع ملاحظة هذين المعنيين، فلا فرق بين أن تكون العتبة عريضة بحيث يضع قدمه عليها أو لا، نعم إن كانت عريضة يتأكد المنع للتصرف في الهواء والقرار، هذا هو الذي يترجح عندي في ذلك. ويحتمل أيضاً أن يقال المنع إنما كان لوجود الجدار وليس بمقصود في نفسه، فإذا زال الجدار بأي طريق كان فلا يمتنع دخول المكان كما لو انهدم بنفسه، واعتبار ملك الهواء بحيث يقال ليس لهما العبور إذا انهدم بنفسه لا تقتضيه قواعد الفقه ولا العرف وهو مستنكر، فالوجه أن يقال إنما يتخيل التحريم من جهة أنها إعانة على ظلم فإذا لم يكن إعانة على ظلم فهو جائز، وذلك حيث لا يفيد الامتناع من الدخول وإنما يفيد إذا كان الممتنع مطاعاً فيكون امتناعه سبباً لإنكار المنكر فيجب إذا لم يكن بهذه المثابة فلا منع، لا سيما قد يتفق أن يكون الشخص الذي لا قدرة له على التغيير ساكناً في جوار الحرم في مكان قد فتح منه باب كذلك وهو لا يقدر على سده فيحتمل جواز دخوله منه، ويقوي ذلك إذا احتاج بأن يكون في الليل ونحوه وخاف على نفسه أو ما معه من الخروج فإنا نقطع في هذه الحالة بجواز دخوله قياساً على الكعبة للحاجة، وأما السكن فيه فلا يمتنع هذا كله كلام السبكي في فتاويه.

الصفحة 25