"""""" صفحة رقم 252 """"""
الثالث: سئل بعضهم كيف يراه الراؤون المتعددون في أقطار متباعدة؟ فأنشدهم:
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا
وفي مناقب الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عن بعض تلامذته قال: حججت فلما كنت في الطواف رأيت الشيخ تاج الدين في الطواف فنويت أن أسلم عليه إذا فرغ من طوافه، فلما فرغ من الطواف جئت فلم أره ثم رأيته في عرفة كذلك وفي سائر المشاهد كذلك، فلما رجعت إلى القاهرة سألت عن الشيخ فقيل لي طيب فقلت: هل سافر؟ قالوا: لا، فجئت إلى الشيخ وسلمت عليه فقال لي: من رأيت؟ فقلت يا سيدي رأيتك فقال: يا فلان الرجل الكبير يملأ الكون لو دعى القطب من حجر لأجاب فإذا كان القطب يملأ الكون فسيد المرسلين صلى الله عليه وسلّم من باب أولى، وقد تقدم عن الشيخ أبي العباس الطنجي أنه قال: وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
الرابع: قال قائل: يلزم على هذا أن تثبت الصحبة لمن رآه. والجواب: أن ذلك ليس بلازم، أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح لأن الصحبة إنما تثبت برؤية ذاته الشريفة جسداً وروحاً. وإن قلنا المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه وهو في عالم الملك وهذه رؤية وهو في عالم الملكوت، وهذه الرؤية لا تثبت صحبته، ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه ولم تثبت الصحبة للجميع لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تفيد صحبته.
خاتمة: أخرج أحمد في مسنده، والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق أبي العالية عن رجل من الأنصار قال: (خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه فظننت أن لهما حاجة قال الأنصاري: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى جعلت أرثي له من طول القيام فلما انصرف قلت يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام قال: ولقد رأيته؟ قلت: نعم قال: أتدري من هو؟ قلت: لا قال: ذاك جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ثم نقال: أما إنك لو سلمت رد عليك السلام)، وأخرج أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلّم إذ انصرف من عنده رجل فنظرت إليه مولياً معتماً بعمامة قد أرسلها من ورائه قلت: يا رسول الله من هذا؟ قال: هذا جبريل.
وأخرج أحمد، والطبراني، والبيهقي في الدلائل عن حارثة بن النعمان قال: (مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه جبريل فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف النبي صلى الله عليه وسلّم قال: هل رأيت الذي كان معي؟ قلت: نعم قال: فإنه جبريل وقد رد عليك السلام).
وأخرج ابن سعد عن حارثه قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين، وأخرج أحمد، والبيهقي عن ابن عباس قلت: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده رجل يناجيه فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا فقال لي أبي: يا بني ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ قلت: يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه فرجع فقال يا رسول الله قلت لعبد الله كذا وكذا