كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 258 """"""
وقوله تعالى:) لا ينال عهدي الظالمين (في آيات أخرى ترى الفاعل فيها غير أولي العقل.
مسألة: فيمن سمع إنساناً ينشد قول العلامة ناصح الدين الأرجاني:
هذا الزمان على ما فيه من كدر
حكى انقلاب لياليه بأهليه
غدير ماء تراءى في أسافله
خيال قوم تمشوا في نواحيه
فالرأس ينظر منكوساً أسافله
والرجل ينظر مرفوعاً أعاليه
فأعرب الرأس مبتدأ وينظر المبني لما لم يسم فاعله خبر والضمير المستتر فيه العائد إلى الرأس معمول لينظر ومنكوساً حال منه، وأسافل منصوب على الظرف والضمير المتصل به عائد إلى الغدير، وتقدير الكلام ينظر الرأس حال كونه منكوساً أسافل الغدير والظرف متعلق بينظر وكذا النصف الثاني فيكون تقديره ينظر الرجل حال كونه مرفوعاً في أعالي الغدير، فيكون الشاعر قد شبه رأس الإنسان برأس الإنسان والرجل بالأسافل، والغدير في حال تمثل الإشكال فيه منقلبة بالزمان في انقلابه بأهله ومراتب العلو والسفل الواقع في الحسن بمشاهدة الإشكال المنتكسة في الغدير الموهومة أنها سطوح وقيعان الغدير مراتب الدنيا ومناصبها ويكون سكن ياء أعاليه للضرورة، فهل هذا الإعراب صحيح مستقيم أو فاسد باطل؟ أوله وجه ما في الجملة أو ما قاله من رد على هذا المعرب هو الصواب، وهو أن أسافل مرفوع على أنه معمول لينظر أعني أنه النائب عن الفاعل، والمراد به أعني الأسافل الأرجل والضمير المتصل به عائد إلى الرأس، والمراد بالرأس هنا الإنسان من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وأن هذا مثل قولهم فلان رأس بني فلان، وعندي خمسون رأساً من الإبل، ومنكوساً حال من الرأس فيكون تقدير الكلام ينظر أسافل الإنسان حال كون الإنسان منكوساً فهل هذا الإعراب صحيح؟ وما اعتبره من مجاز الرأس معتبر علاقته بينه وقرينته الصارفة عن اللفظ المستعمل عما وضع له في التخاطب صالحة أو لا لأنه لا اعتبار لكون الإنسان شريفاً أو وضيعاً بالنسبة إلى تمثل خياله في الغدير، وإنما الاعتبار في إنكاس الرأس المشبهة بصاحب الفضل والكمال والشرف المعتبر عند أهل النظر والعقل وارتفاع الرجل المشبه بأراذل الناس وسقاطهم، وعلى تقدير صحة كل ذلك هل يتمشى ذلك له في النصف الثاني من البيت؟ وهل قول القائل إن إطلاق الرأس على الإنسان في مثل هذا الموضع أعني حيث لا علاقة ولا قرينة لم يستعمله أحد من العرب ولا من غيرهم من المولدين وأرباب البلاغة والفصاحة مثل أن يقال رأيت رأساً ويريد شخصاً من الإنسان من غير حصول قرينة تدل على ذلك وإن مثل ذلك غير فصيح بل غير جائز، وإن قيل بجوازه فهو مستهجن غير مألوف صحيح؟ وهل يكون قول القائل في جواز ذلك صرح الأصوليون بعدم إشتراط الوضع في المجاز سفسطة وهذياناً؟.

الصفحة 258