كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 26 """"""
وقال الزركشي في كتابه أحكام المساجد: بوّب البخاري في صحيحه باب الخوخة والممر في المسجد وأدخل فيه حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلّم خطب وقال: (لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) وظاهر الخبر المنع وخصوصية الصديق بذلك دون غيره هذه عبارته، وأورد ابن العماد في كتابه أحكام المساجد كلام السبكي بحروفه، ثم أورد على حديث الأمر بسد الأبواب إشكالاً وهو غير وارد فقال: يلزم على الحديث إشكال وهو أن هذه الأبواب يعني التي أمر بسدها إن كانت من أصل الوقف التي وضع المسجد عليها لزم عليه جواز تغيير معالم الوقف وخروجه عن الهيئة التي وضع عليها أولاً، وإن كانت محدثة لزم عليه جواز فتح باب في جدار المسجد وكوة يدخل منها الضوء وغير ذلك مما تقتضيه مصلحة حتى يجوز لآحاد الرعية أن يفتح من داره المجاورة للمسجد باباً إلى المسجد في حائط المسجد وقد تقدم أنه ممنوع، ويحتمل أن يقال يجوز ذلك للواقف دون غيره لأنه صلى الله عليه وسلّم هو الذي وقف المسجد، وفيه إشكال من جهة انتقال الوقف وزواله عن ملكه إلى الله تعالى هذه عبارته قلت: الإشكال ساقط فإن الفتح أولاً كان بأمر من الله ووحي فكان جائزاً ثم نسخ الله تعالى وأمر بالسد بوحي أيضاً كما تقدم في الأحاديث فهو من قبيل الناسخ والمنسوخ من الأحكام الشرعية فلا إشكال، وقد فهم من كلام السبكي السابق أنه لا يجوز الفتح إلا بثلاثة شروط: أن يكون يسيراً لا يغير مسمى الوقف، وأن لا يزيل شيئاً من عينه، وأن يكون في ذلك مصلحة للوقف أو لعامة المسلمين، ويزاد عليها شرط رابع من فتاوي ابن الصلاح، وهو أن لا يكون في شرط الواقف نص على منعه، فإذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة جاز الفتح وإن فقد شرط منها لم يجز، وقد فقد في مسجد المدينة شرطان:
الثالث والرابع: فإنه لا مصلحة في ذلك للمسجد بل للمدرسة المجاورة [كما قاله السبكي في الطيبرسية مع الجامع الأزهر وفي البيوت المجاورة] للمسجد الحرام والرابع فإن الواقف هو صاحب الشرع صلى الله عليه وسلّم نص على منعه وأسند ذلك إلى الوحي الشريف فوجب القول بالمنع ولو قيل بالجواز في بقية المساجد، وقد بنى السلطان سقاية للشرب في رحبة الجامع الطولوني وفتح له شباكاً في الجدار المحوط على الرحبة ليسهل شرب المارين منها، وهذا الفتح جائز هنا لوجود المصلحة العامة وعدم نص من الواقف على منعه، ولو أراد السلطان الآن الزيادة في عدة أبواب المسجد النبوي لجاز له ذلك بل يستحب لأمرين: أحدهما وجود المصلحة العامة، والثاني الرد إلى ما كان عليه أولاً، فسيأتي أنه كان له في زمن عمر بن عبد العزيز عشرون باباً.
فائدة نختم بها الكتاب: قال النووي في شرح المهذب: فرع عن خارجة بن زيد ابن ثابت آخر فقهاء المدينة السبعة قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مسجده سبعين ذراعاً في ستين ذراعاً أو يزيد، قال أهل السير: جعل عثمان بن عفان طول المسجد مائة وستين ذراعاً
وعرضه مائة وخمسين وجعل أبوابه ستة كما كانت في زمن عمر - وزاد فيه الوليد بن عبد الملك فجعل

الصفحة 26