كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 268 """"""
لمولد أن يبني فعيلاً إلا ما بينت العرب وتكلمت به ولو أجيز ذلك لقلب أكثر الكلام فلا تلتفت إلى ما جاء على فعيل مما لا تسمعه إلا أن يجيء به شعر فصيح.

الزند الوري في الجواب عن السؤال السكندري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
مسألة: ورد من الإسكندرية سؤال صورته روي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) قال الشيخ محيي الدين النووي في شرحه لصحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلّم: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى.
قلت: وقد أشكل هذا الحديث على بعض الناس من جهة تنزيل المقصود منه على القواعد النحوية، فإن المقصود من الحديث أنه من سمع بنبينا عليه الصلاة والسلام ممن شملته بعثته العامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار، وفي تنزيل لفظ الحديث على هذا المقصود قلق كما سيأتي؛ وهذا الإشكال يعرض كثيراً في غير لفظ الحديث أيضاً كقولك: ما جاءني زيد إلا أكرمته، وما أحسنت إلى لئيم إلا أساء إلي، وما أنعمت على عمرو إلا شكر، وأمثال ذلك كثيرة في الكتاب، والسنة، وكلام العرب، والغرض في الجميع أن يكون الواقع بعد إلا مرتباً مضمونة على مضمون ما بعد حرف النفي أي مهما جاءني زيد أكرمته، ومهما أحسنت إلى لئيم أساء إلي، ومهما أنعمت على عمرو شكر، وهكذا في سائر الأمثلة التي بهذه المثابة، وتطبيق اللفظ على هذا الغرض غير متأت بحسب الظاهر، فإن غاية ما يتخيل في هذا الاستثناء أن يكون مفرغاً باعتبار الأحوال، فتكون الجملة الواقعة بعد إلا في محل نصب على أنها حال من الفاعل أو من المفعول المتقدم ذكره، أي ما جاءني زيد إلا في حال كوني مكرماً له، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مسيئاً إلي، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه شاكراً للنعمة، وهذا مشكل فإن الحال مقيدة لعاملها ومقارنة له وليس إلا كرام مقيداً بمجيء زيد بحسب المقصود ولا مقارناً له في الزمن وكذا بقية الأمثلة.
فإن قلت: اجعل الحال مقدرة كما في قولهم: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي مريداً الصيد به فكذا في الأمثلة أي ما جاءني زيد إلا في حال كوني مريداً لإكرامه، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مريداً الإساءة إلي، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه مريداً الشكر، وعلى هذا تتأتى المقارنة والتقييد ولا إشكال.

الصفحة 268