كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 269 """"""
قلت : هذا وإن كان في نفسه معنى ممكن الاستقامة فهو غير مفيد للغرض المصوغ لهذا الكلام ، إذ المقصود كما سبق وقوع مضمون ما بعد حرف الاستثناء مرتباً على مضمون ما بعد حرف النفي ، ولا يلزم من إنعامك على عمرو في حال إرادته للشكر أن يكون الشكر وقع بالفعل مرتباً على الإنعام عليه لجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها ، وكذا الكلام في بقية الأمثلة ، فقد ظهر امتناع جعل ما بعد إلا حالاً لا من قبيل الحال المحققة ولا من قبيل الحال المقدرة ، ولا مساغ لغير الحال فيه فيما يظهر ببادىء الرأي فتقرر الإشكال.
فإن قلت : لم لا تجعل التفريع بإعتبار ظرف الزمان أي ما جاءني زيد في حين من الأحيان إلا في حين أكرمته فحذف الحين كما في قولهم جئتك صلاة العصر أي حين صلاة العصر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قلت : يمتنع ذلك لفظاً ومعنى أما لفظاً فلأن الظرف في مسألتنا على زعمك مضاف إلى الجملة ولا يحذف مضاف إلى الجملة وتقوم الجملة مقامه ، وإنما ذلك إذا كان المضاف إليه مفرداً كما في جئتك في صلاة العصر ، وما أجازه أبو حيان في قوله تعالى : ) واتقوا يوماً لا تجزي نفس ( من أن الأصل يوماً يوم لا تجزى نفس فأبدل يوم الثاني من الأول ثم حذف المضاف مردود ، قال ابن هشام : لا نعلم هذا واقعاً في الكلام ، ثم إن ادعى على أن الجملة باقية على محلها من الجر فشاذ أو أنها أنيبت عن المضاف فلا تكون الجملة مفعولاً في مثل هذا الموضع ، وأما معنى فيظهر مما أبطلنا به وجهي الحال المحققة والمقدرة إذ ليس المراد أن زيداً لم يجىء إلا في حال إكرامك له أو حال إرادتك لإكرامه ، وإنما حينئذ المقصود ما أسلفناه والكلام في تنزيل اللفظ عليه فالإشكال بحاله.
وفي الحديث إشكال من جهة أخرى وهو أنه يقدم الاستثناء الواقع فيه جمل ، فإن أعدته إلى الجميع وبنينا على أن العامل في المستثنى هو من قبل إلا من فعل أو معناه بواسطة إلا كما يراه البصريون لزم اجتماع عوامل على معمول واحد وهو باطل على ما تقرر في علم النحو ، وإن أعدته إلى الجملة الأولى فقط لزم الخلف في الخبر ، وذلك أن التقدير حينئذ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني إلا كان من أصحاب النار ، وكم من يهودي ونصراني يسمع به بعد البعثة ولا يكون من أصحاب النار بأن يسلم ويموت على الإسلام ، وإن جعلته راجعاً إلى ما بعد الجملة الأولى فقط على ما فيه صارت الجملة الأولى لا تعرض فيها إلا الاستثناء فيلزم الخلف أيضاً ، إذ كثير من اليهود والنصارى يسمع به بعد البعثة هذا آخر السؤال.
الجواب : قال ابن مالك في التسهيل في تقرير القاعدة التي من أفرادها هذا الحديث ويليها أي إلا في النفي فعل مضارع بلا شرط وماض مسبوق بفعل أو مقرون بقد ، وقال في شرحه : مثال المضارع ما كان زيد إلا يفعل كذا ، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه ، وما زيد إلا يفعل كذا ، ومثال الماضي مسبوقاً بفعل قوله تعالى : ) ما يأتيهم من رسول إلا كانوا ( ومقروناً بقد قول الشاعر :

الصفحة 269