كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 293 """"""
الروايتين قال: والمعنى فيه أن الشمس إذا انتصف الليل أحدثت في العالم حركة بطبعها وحرارتها فلا يبقى حيوان نائم إلا وتحرك لأنها تقرب من الأرض، فإذا تحرك استيقظ في الغالب، فإذا استيقظ تلقاه المنادي ونشطه إلى القيام إلى الطاعة فيقول: هل من مستغفر هل من تائب هل من طالب حاجة؟ فهذه أسرار غريبة ومعان لطيفة فسبحان من هذا عطاؤه وجل من هذا فضاؤه. قلت: الأحاديث والآثار مختلفة في ذهاب الشمس بعد غروبها فأخرج البخاري عن أبي ذر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلّم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذر تدري أين تغرب الشمس؟ قلت الله ورسواله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى:) والشمس تجري لمستقر لها (وأخرجه النسائي بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتطلب فإذا كان ذلك قيل لها اطلعي من مكانك فذلك قول الله:) والشمس تجري لمستقر لها (وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى:) والشمس تجري لمستقر لها (قال: مستقرها أن تطلع فتردها ذنوب بني آدم فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها فتقول: إن السير بعيد وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء الله ثم يقال: اطلعي من حيث غربت، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: لا تخالف بين هذا وبين قوله تعالى:) وجدها تغرب في عين حمئة (فإن المراد به نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقراراً لا نحيط به نحن، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره؛ وأبو الشيخ في كتاب العظمة عن ابن عباس قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت الليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر، وأخرج أبو الشيخ عن الحسن البصري قال: إذا غربت الشمس دارت في فلك السماء مما يلي دبر القبلة حتى ترجع إلى المشرق الذي تطلع منه وتجري في السماء من شرقها إلى غربها ثم ترجع إلى الأفق مما يلي دبر القبلة إلى شرقها كذلك هي مسخرة في فلكها وكذلك القمر.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: إن الشمس إذا غربت دخلت بحراً تحت العرش فتسبح الله حتى إذا هي أصبحت استعفت ربها من الخروج قال: ولم؟ قالت: إني إذا خرجت عبدت من دونك، وأخرج أبو الشيخ بسند واه عن ابن عباس قال: إن الشمس إذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلع الشمس.

الصفحة 293