كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 296 """"""
إن تساويا وفضلت العبادة المالية أن يكون الغني أفضل وهذا لا شك فيه ، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل ؟ إن فسر الأفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني ، وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ، ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر ، وقال القرطبي : في هذه المسألة للعلماء خمسة أقول : ثالثها : الأفضل الكفاف. رابعها : يختلف باختلاف الأشخاص. خامسها : التوقف.
وأما السؤال السابع والعشرون : ففي كشف الأسرار قال النيسابوري : قال بعضهم : خلق الله أولاً زمردة خضراء ، ويقال اللوح والقلم ، ويقال الوقت والزمان ، ويقال العرش والكرسي ، ويقال خلق أولاً عاقلاً أراد أن ينتفع بعقله غيره ، ويقال خلق جوهراً متفرقاً من الألوان والأطباع والهيئات ثم خلق الهيئات فركبها بين الأطباع والألوان وصارت بسيطة مؤلفة مطبوعة. ويقال خلق أولاً نقطة ثم نظر إليها بالهيبة فتضعضعت وتمايلت فصيرها الله تعالى ألفاً.
وأما السؤال الثامن والعشرون : فأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة عمرو ابن جرير قال : إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب.
وأما السؤال التاسع والعشرون : ففي كشف الأسرار قيل : الحكمة في إدخال المؤمنين النار ليعرفوا قدر الجنة ومقدار ما دفع الله عنهم من عظيم النقمة لأن تعظيم النعمة واجب في الحكمة. وقيل ليكون المؤمنون دليلاً للكافرين كما أن جبريل كان دليلاً لفرعون في البحر لأن عباد الصنم يوم القيامة يؤمرون بدخول النار مع أصنامهم فيأبون فيقول الله للمؤمنين ادخلوا فيقولون لبيك وسعديك إن أمرتنا فذلك قوله تعالى : ) والذين آمنوا أشد حباً لله ( وحينئذ يتبين للخلق أن بره في النار للعارفين أكثر من بره في الجنة للمطيعين. وقيل أراد الله تعالى أن يطيب النار كما طيب بطن الحوت بإلقاء يونس عليه السلام لأن النار شكت إلى ربها فقالت : يا رب ما عصيتك قط فلم جعلتني مأوى المتكبرين والجبارين ؟ فقال : أريك الأنبياء والمطيعين. وقيل ليرى المؤمنين عياناً ما أخبرهم به من نجاة إبراهيم من نار نمروذ فقال لإبراهيم : ) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ( وقال للمؤمنين : وردتموها وهي خامدة. وقيل ليرى الكفرة جودة عنصر المؤمنين لأن الجوهر الأصلي لا تعمل فيه النار ولا تفسده فكذلك المؤمن ، وقيل ليظهر للخلق أنه جامع النور والظلمة لأنه هو المنجي من الظلمة والموقع فيها. وقيل ليرى الخلق كمال قدرته. فرقة يستغيثون من النار. وفرقة تستغيث النار منهم ، وهذا كما جعل الماء رحمة على موسى وعقوبة على قوم فرعون كذلك النار رحمة للمؤمنين نقمة للكافرين ، وقيل لأن الله تعالى وعد النار أن يملأها وهي لا تملأ بالكفرة فتقول هل من مزيد ؟ فيورد المؤمنين فيها فتملأ وتقول قط.

الصفحة 296