كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 298 """"""
يختبر العبد المتحقق نفسه في دعواه في معرفة حقيقة حق اليقين فتأمله.
وأما السؤال الثالث والثلاثون: فقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر، وأحاديث تقتضي استحباب الإسرار به، والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، قال سيدي يوسف العجمي رضي الله عنه: قد اعترض بعض الفضلاء على الجهر بالذكر مستدلاً بقوله تعالى:) وإذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة (الآية، وقوله صلى الله عليه وسلّم: (خير الذكر ما خفي) والجواب أن الله تعالى خاطب عامة عبادة بمثل قوله:) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (وخاطب الخاص بمثل قوله:) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (وخاطب سيد أهل الحضرة محمداً صلى الله عليه وسلّم بعد أن عرفه بربه ونفسه وأراه كيف مد الظل بمثل قوله:) واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة (وقوله:) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل (فمن لا يعرف ربه ولا نفسه ولا أراه كيف مد الظل فكيف يذكر ربه في نفسه؟ أو كيف يرى مد الظل؟ بل هم المخاطبون بمثل قوله تعالى:) اذكروا الله ذكراً كثيراً (وأما الذكر الخفي فهو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت، وهو أيضاً خاص به صلى الله عليه وسلّم وبمن له به أسوة حسنة، وعن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته فقال صلى الله عليه وسلّم: دعه فإنه أواه). وقال صلى الله عليه وسلّم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر). وروي (أنه صلى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه قال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة). وعن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر: مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك فقال: إني أسمعت من ناجيت فقال: ارفع صوتك قليلاً وقال لعمر: مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك فقال: إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال: اخفض قليلاً). وروي أن الناس كانوا يذكرون الله تعالى عند غروب الشمس يرفعون أصواتهم بالذكر، فإذا خفيت أرسل إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ثوروا الذكر أي ارفعوا أصواتكم والجمع بين الآية والحديث السابقين اللذين استدل بهما وبين هذه الأحاديث والأثر أن الذاكرين إذا كانوا مجتمعين على الذكر فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر والقوة، وأما إذا كان الذاكر وحده فإن كان من الخاص فالإخفاء في حقه أولى، وإن كان من العام فالجهر في حقه أفضل، وقد شبه الغزالي رحمه الله ذكر شخص واحد وذكر جماعة مجتمعين بمؤذن واحد وجماعة مؤذنين فكما أن أصوات الجماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت شخص واحد، فكذا ذكر جماعة على قلب واحد أكثر تأثيراً في رفع الحجب من ذكر شخص واحد ومن حيث الثواب، فلكل واحد ثواب ذكر نفسه وثواب سماع ذكر رفقائه، وأما قوله: إنه أكثر تأثيراً في رفع الحجب فلأن الله تعالى شبه القلوب

الصفحة 298