كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 299 """"""
بالحجارة في قوله : ) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ( ومعلوم أن الحجر لا ينكسر إلا بقوة ، فقوة ذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد أشد من قوة ذكر شخص واحد. ولهذا قال الشيخ نجم الدين البكري رحمة الله عليه : إن القوة في الذكر شرط واستدل بهذه الآية انتهى.
وأما السؤال الرابع والثلاثون : فجوابه أن إحداث الألحان في الذكر بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ، ولا أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا فعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا السلف الصالحين فإن انضم إلى ذلك تمطيط الأحرف والإشباع في غير موضعه والاختلاس في غير موضعه والترقيص والتطريب وتعويج الحنك والرأس فهذا مغن لا ذاكر ، وأخشى عليه أن يجاب من قبل الله باللعنة ، فإن سر الذاكر إحضار عظمة الله وهيبته في القلب بخشوع وخضوع وإعراض عما سواه والملحن في شغل شاغل عن ذلك وليعرض الإنسان على نفسه أن لو وقف شخص تحت بيته ونادى آه يا سيدي فلان وكرر ذلك بهذا التلحين والترقيص أكان يرضيه ذلك أو يعده قليل الأدب فالتأدب مع الله أولى وأحق.
وأما السؤال الخامس والثلاثون : فأقول : مقتضى الأدلة تفضيل اللبن على العسل لأمور منها أنه يربى به الطفل ولا يقوم العسل ولا غيره مقامه في ذلك ، ومنها أنه يجزىء عن الطعام والشراب وليس العسل ولا غيره بهذه المثابة روى أبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزىء من الطعام والشراب غير اللبن ) ومنها أنه لا يشرق به أحد وليس العسل ولا غيره كذلك روى ابن مردويه في تفسيره عن أبي لبيبة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ما شرب أحد لبناً فشرق أن الله يقول : ) لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ( ) منها أنه صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء أتي بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فاختار اللبن فقيل : هذه الفطرة أنت عليها وأمتك رواه الشيخان وغيرهما فاختياره اللبن على العسل ظاهر في تفضيله عليه ، ومن الصريح في ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي عاصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( من أطعمة الله طعاماً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، وإني لا أعلم شيئاً يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن ) والحديث أصله في السنن الأربعة فقوله في الأول : وأطعمنا خيراً منه وفي اللبن وزدنا منه يعطى أنه لا شيء خير من اللبن.
وأما السؤال السادس والثلاثون : فقد كنت سئلت عنه قديماً وأجبت بأنه لم يرد حديث ولا أثر في التفضيل بينهما والتفضيل يحتاج إلى توقيف ، وذكر عن حافظ العصر أبي الفضل ابن حجر أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن ماء زمزم أفضل مياه الدنيا ، وماء الكوثر أفضل مياه الآخرة. وهذا الجواب كما ترى ليس فيه نص على تفضيل أحدهما على الآخر. وقد يقال لمن خطر بباله تفضيل ماء زمزم أنه يشهد له أنه صلى الله عليه وسلّم غسل صدره به لما شقه جبريل ولكن

الصفحة 299