كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 301 """"""
وقال تعالى:) فأسر بأهلك بقطع من الليل (وقال أهل العلم في الليل: تنقطع الأشغال وتجم الأذهان ويصح النظر وتؤلف الحكم وتدر الخواطر ويتسع مجال القلب، ومؤلفو الكتاب يختارونه على النهار لأن القلب بالنهار طائر وبالليل ساكن، وكذلك مدبرو الملك. وقديماً كان يقال: الليل نهار الأريب، وقال قائل:
ولم أر مثل الليل جنة فاتك
إذا همّ أمضى غنيمة ناسك
وعارضه صاحب النهار بأن الله قدم ذكره في قوله:) والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها (وبأن التقديم لا يدل على أفضليته فقد قدم الله الموت على الحياة والجن على الإنس والأعمى والأصم على البصير والسميع في قوله:) خلق الموت والحياة (1) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (1) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع (1 والمتأخر مما ذكر أفضل من المتقدم قطعاً وبأن النور قبل الظلمة قال تعالى:) الله نور السموات والأرض (1 وبأن الناس والشعراء ما زالوا يذمون الليل ويشكونه كقول امرىء القيس: وليل كموج البحر. والأبيات. وقد استعاذوا بالله من الأبهمين ويقال الأعميين السيل والليل، وبالليل تدب الهوام وتثور السباع وتنشر اللصوص وتشن الغارات وترتكب المعاصي والفاحشات ولذلك قيل: الليل أخفى للويل، وقد شبه الله تعالى به وجوه أعدائه فقال:) كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً (وكان الحسن يقول: ما خلق الله خلقاً أشد سواداً من الليل وقال تعالى:) ومن شر غاسق إذا وقب (قيل: هو الليل إذا أظلم، وتقول العرب للمكثار حاطب ليل لما يخشى عليه فيه من نهش أو تنهش ونهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن جداد الليل وصرام الليل وأمر بغلق الأبواب وكف الصبيان بالليل وقال: (إن للشيطان انتشاراً وخطفة) وافتخرت العرب بالأيام دون الليالي فقالوا يوم ذي قار ويوم كذا، والأسبوع أيامه مسماة دون الليالي فإنما تذكر بالإضافة إلى الأيام فيقال ليلة الأحد وليلة كذا وليس المضاف كالمضاف إليه، والأيام النبيهة أكثر من الليالي كيوم الجمعة ويوم عرفة ويوم عاشوراء والأيام المعلومات والمعدودات، وليس في الليالي إلا ليلة القدر وليلة نصف شعبان. وقال صلى الله عليه وسلّم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) ولم يقل ذلك في شيء من الليالي.
وأما السؤال التاسع والثلاثون: ففي كشف الأسرار إنما خلق آدم من التراب دون غيره لأنه لم يكن قبل آدم شيء إلا التراب فخلقه منه ثم خلق حواء من آدم لأنه أراد أن يكونا من جنس واحد وخلقها من الضلع ليعلم أنهن خلقن من العوج فلا يطمع في تقويمهن.
وأما السؤال الأربعون: ففي كشف الأسرار سؤال لم رفع عيسى إلى السماء؟ قيل: لأنه أراد أن يصحب الملائكة ليحصل لهم بركته كما صحبه التائبون في الدنيا، وأيضاً لما لم يكن دخوله من باب الشهرة وخروجه لم يكن من باب المنية بل دخل من باب القدوة وخرج من باب العزة.

الصفحة 301