كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 318 """"""
فقد حصل الجواب عنه بما أجاب به القرافي ، ومحصله أنا لو خلينا ومقتضى الوضع لأطلق على العام ، وإنما منع منه ما عرض عند الاستعمال من حصر الواقع المسمى في شخص خاص ، وحاصل هذا الجواب منع التلازم بين الوضع والإطلاق ، فقد يوضع الشيء العام ولا يستعمل إلا خاصاً بدليل الشمس فإنها وضعت كلياً ولا تستعمل إلا جزئياً ، وأوضح منه ما ذكره القرافي من تشبيه ذلك بالأعلام الغالبة فإنها وضعت كلية ثم غلب استعمالها في خاص فصارت أعلاماً بالغلبة وسنزيد هذا وضوحاً قريباً ، وقوله : إن القرافي لم يجب عن الإلزام في كلام الأكثرين وهو قولهم لو كان مسماه كلياً لكان نكرة وإنما أجاب عن الثاني أقول : ممنوع فقد صرح القرافي نفسه أن الجواب الذي ذكره جواب عن الإلزامين وأنا لم أسق كلامه بلفظه بل أوردته ملخصاً كما نبهت في آخره ، ونكتة عدم تعرضي لما يوضع كونه جواباً عن الإلزام الآخر من كونه نكرة أنه لا ذكر له في كلام السائل البتة فاستغنيت عن إيراده ، وعبارة القرافي وأما قولهم في الوجهين يعني اللذين احتجوا بهما فالجواب عنه واحد وهو أن دلالة اللفظ وساق ما قدمته عنه إلى أن قال : فلما كان حصر مسمى اللفظ في شخص معين من الواقع قال النحاة : هي معارف فإن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنها هذا لفظه فأشار أولاً إلى أن الجواب عن الإلزامين معاً ، وأتى آخراً بهذه الجملة لتقرير الجواب عن لزوم كونه نكرة ، ومتحصل كلامه أنه أجاب عن الإلزامين معاً بجواب واحد إما كونه يدل على خاص ولا يدل على العام ، فلما عرض في الاستعمال لا لأمر في أصل الوضع ، وإما كونه معرفة لا نكرة فلأن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنه ، ومعلوم عندك أن التعريف والتنكير لا تلازم بينهما وبين الوضع حتى يقال أن وضعه كلياً يستلزم كونه نكرة ووضعه جزئياً يستلزم كونه معرفة ، لأن التعريف يحدث بعد الوضع لما يعرض في الاستعمال ، ألا ترى أن رجلاً وضع نكرة وإذا نودي مع القصد صار معرفة وليس لك أن تقول أن التعريف حصل من الوضع أيضاً لأن ( يا ) وضعت لتعريف المنادي لأنا نقول ذلك مردود بوجهين : أحدهما أن ( يا ) قد توجد ولا تعريف في نداء غير المقصود ، والثاني قول النحاة أن تعريف المنادى المقصود إنما هو بالقصد والمواجهة كاسم الإشارة وجعلوه في مرتبته ، فهذا أول دليل على أن التعريف في الإشارة إنما حصل بالمواجهة ونحوها دون أصل الوضع فهو أمر طارىء عليه وحادث بعده ، فلا تنافي بين وضع الإشارة والمضمر كلياً وكونه معرفة مستعملاً في الجزئي ، ومما يدل على أن التعريف والتنكير لا تعلق لهما بالوضع وإنما هما من الاستعمال قول خلائق من النحاة إن المضمر قد يكون نكرة وذلك في الضمير المجرور برب ، وقول آخرين إن الضمير العائد على النكرة نكرة مطلقاً ، وقول آخرين إن العائد على واجب التنكير كالتمييز نكرة ، فإن تخيلت أن التنكير والتعريف في المضمر من أصل الوضع لزمك الاشتراك اللفظي وتعدد الوضع ولا قائل به ، وإن سلمت أنه حادث في الاستعمال فهو المدعي وبه يحصل الانفصال عن الإلزام ، وإن قلت إنه وضع معرفة واستعماله نكرة عارض من الاستعمال فبعيد مع أنه يثبت مدعانا أيضاً بطريق قياس

الصفحة 318