كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 319 """"""
العكس إذ لا فارق، فثبت بهذا كله أن الضمير واسم الإشارة وضعا للمعنى العام، وعدم إطلاقهما عليه إنما هو لما عرض في الاستعمال لا لأمر في أصل الوضع، وهذا تحقيق القول بأنه كلي وضعا جزئي استعمالاً وهو من أحسن ما قيل، واندفع أحد الإلزامين اللذين أوردهما السائل، ثم بتقرير كونه وضع للمعنى العام الذي هو القدر المشترك، والمفهوم الكلي يكون استعماله في آحاد ما يصدق عليه حقيقة لا مجازاً، كما هو شأن الوضع للقدر المشترك، فاندفع الإلزام الثاني كما لا يخفى، وقوله: إنما في جوابنا من كونه ليس من باب المشترك إلى آخره صريح في أنه اختيار قسم ثالث غير القسمين اللذين في كلام السائل إلى أن قال: وأنت تعلم أن هذا هو القسم الأول في كلام السائل، وأقول: كأن المعترض حفظه الله يشير إلى أنه وقع في كلامنا تناقض ثم جزم بذلك وادعى أنه خفي علينا وليس كذلك، وهذه غفلة عظيمة من المعترض أعزه الله أحاسبه بها، وبيان ذلك أن القسمين اللذين في كلام السائل اللذين ما اخترنا في التوجيه غيرهما ليسا بالقسمين اللذين ما اخترنا في التعيين أحدهما، فالقسمان الأولان هما الإلزامان الواردان والآخران هما الملزوم عنهما المورد عليهما فلا تناقض لاختلاف مورد القسمة.
والحاصل أن السائل أورد قسمين وطلب تعيين أحدهما وهما هل هو للعام أو الخاص؟ فعينا الأول، ثم أورد على القسمين ثلاث إلزامات على الأول اثنان وعلى الثاني واحد، فأجبنا عن أول إلزامية بمنع التلازم بين الوضع والإطلاق، وعن الثاني بتقرير كونه وضع للقدر المشترك، فاندفع المجاز كما اندفع الاشتراك اللفظي وهو الثالث ضرورة، فتقريرنا كونه للقدر المشترك هو عين القسم الأول من القسمين المطلوب تعيين أحدهما وهو كونه للعام وغير المجاز والاشتراك الموردين على القسم الأول والثاني فأي تناقض في هذا؟ وقوله فاللازم على القسم الأول باق بحاله قول ممنوع بل ذهب في الغابرين وانقطع في الداحضين، أما الإطلاق فبمنع التلازم، وأما المجاز فبكونه للقدر المشترك وسندهما ما تقدم واضحاً، وبهذا يتم الجواب ويتضح الصواب وينكشف الحجاب وتطلع الشمس المنيرة ليس دونها سحاب، قوله: وأما الجواب عن السؤال الثاني فقوله: أنه مجاز هو اختيار القسم الثاني، وقد عرف ما يرد عليه من كلام بعض المحققين إلى آخره. أقول: قصارى ما ذكره السائل عن بعض المحققين أنه ذهب إلى قول مفصل في مقابلة قطع الجمهور بأنه مجاز، ومعلوم عندك أن المسألة ذات الأقوال لا يكون قول منها وارداً على القول الآخر، وإنما يصلح للإيراد تقرير شبهة أو إلزام أمر فاسد، والسائل قال: ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون حقيقة فلم يورد إلا القول لا الإلزام ولا الشبهة، وهذا ما لا يصلح إيراد، وأنا لم أر في المسألة بعد قطع الناس بأنه مجاز إلا بحث السبكي، فلنذكر شبهة هذا المحقق الآخر لينظر في جوابها ودفعها أو في التوفيق بينها وبين الجمهور. وقوله: إن ما قاله السبكي من أن دلالة العام دلالة مطابقة خلاف ما أطبق عليه المحققون يقال عليه وهو أولاً من المحققين إن كانوا من المتأخرين كالعضد ونحوه، فكلامهم لا يصلح أن يعارض به

الصفحة 319