كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 321 """"""
المجاز حتى اضطربوا فيه فقال بعضهم: إنه ليس منه مطلقاً، ورأى بعضهم أن منه نوعاً قريب الدخول فيه فأدخله فيه، وأنوعاً بعيدة فلم يدخلها فيه، فكل لبيب يفهم بالقوة من هذا الاختلاف والاضطراب أنه إنما نشأ عن اقتضاء آرائهم بعده عن الدخول في حد المجاز، وأنا لم أقل أنها مصرحة بذلك بل عبرت بعبارة تشعر بخلاف ذلك، فقوله: إن الانطباق وعدمه أمر مسكوت عنه غير وارد حينئذ لأني لم أدَّعِ التصريح به بل أتيت بما يدل على أنه يؤخذ منه بالقوة، وقوله: على أنها ظاهرة في الانطباق إن أراد أنها ظاهرة في انطباق حد المجاز على كل حذف فممنوع إلا القول الثاني كيف، والمفصلون يأبون تسمية من أنواعه مجازاً، والنافي مطلقاً واضح، وإن أراد أنها ظاهرة في الانطباق على ما يسمونه مجازاً فصحيح وهو ما ادعيناه في الجواب حيث قلنا إن الانطباق على ما ذكره القرافي، وصاحب الإيضاح واضح، وبه يندفع قول المعترض أولاً أنه غير واضح، والعجب كيف ادعى عدم وضوحه أولاً وظهوره آخراً. قوله: وأما الجواب عن السؤال الخامس إلى آخره. أقول: ما ادعاه من أن كون العلاقة في الآية المشابهة يخرجها عن باب المشاكلة إلى باب الاستعارة ممنوع فإنه لا تلازم بين المشابهة والاستعارة، وإن كان كل استعارة علاقتها المشابهة فليس كل ما علاقته المشابهة استعارة، بدليل أن المحققين على أن التشبيه المقدر فيه الأداة نحو صم بكم عمي يسمى تشبيهاً بليغاً لا استعارة وهو ظاهر بلا شك، وإذا كان هذا فيما قدرت فيه الأداة فما ظنك بما صرح فيه بلفظ مثلها، فالآية لذلك خارجة عن باب الاستعارة داخلة في باب المشاكلة. والعلاقة المشابهة لما تقرر من منع الملازمة، وقوله: فإن المشاكلة على ما ذكره التفتازاني هي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته هذا من نمط ما قدمته من أنكم تقتصرون في هذه الأمور على كتب مثل التفتازاني وتضربون عن غيرها صفحاً، وإلا فما وجه نقل مثل هذا الكلام عنه وهو في متن التلخيص الذي التفتازاني شارح كلامه بل وفي كلام السكاكي من قبله [بل] وأطبق عليه أهل البديع قاطبة ومثل هذا حقه أن يقال فيه، وقال أهل البديع: وإلا فالنقل عن التفتازاني يشعر بأنه قاله من عنده ولم يسبق إليه ويشعر أيضاً بغرابته، فإن النقل لكلام عن متأخر مع وجوده في كلام المتقدمين عيب فما ظنك إذا كان في كلام أهل الفن قاطبة، وإنما ينقل عن المتأخر ما قاله من عنده بحثاً مخالفاً لما قبله أو تحقيقاً لكلام من تقدمه أو نحو ذلك. وقوله: إن ما ذكره العلامة من أن العلاقة في نوع المشاكلة هو الشبه الصوري لا يتمشى في قوله اطبخوا لي جبة صحيح وهو اعتراض حسن وليس في هذه الاعتراضات أقعد منه. وجوابه أنه لم أدع أن الشبه علاقة نوع المشاكلة من حيث هو حتى يلزمني تمشيتها في جميع أفرادها إنما ادعيت أنه علاقة الآية لظهورها فيها. وأما علاقة أصل المشاكلة فقد ذكرتها قديماً في كتابي شرح ألفية المعاني استخراجاً بفكري، ثم ظهر لي أخذها من قول صاحب التلخيص حيث قال: المشابهة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، فقوله: ذكر الشيء بلفظ غيره صريح في أنها من باب المجاز. وقوله وقوعه في صحبته إشارة إلى العلاقة وهي الصحبة والمجاورة في اللفظ

الصفحة 321