كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 6 """"""
لي : شيء كنا استعملناه في البدايات ما كنا نتركه في النهايات ، أحب أن أذكر الله بقلبي وفي يدي ولساني ، فلو لم يكن في اتخاذ السبحة غير موافقة هؤلاء السادة والدخول في سلكهم والتماس بركتهم لصارت بهذا الاعتبار [ من أهم الأمور ] وآكدها فكيف بها وهي مذكرة بالله تعالى لأن الإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله وهذا من أعظم فوائدها وبذلك كان يسميها بعض السلف رحمه الله تعالى. ومن فوائدها أيضاً الاستعانة على دوام الذكر ، كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر ، فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل ، وكان بعضهم يسميها حبل الوصل ، وبعضهم رابطة القلوب. وقد أخبرني من أثق بقوله : أنه كان مع قافلة في درب بيت المقدس فقام عليهم سرية عرب وجردوا القافلة جميعهم وجردوني معهم فلما أخذوا عمامتي سقطت مسبحة من رأسي فلما رأوها قالوا : هذا صاحب سبحة فردوا علي ما كان أخذ لي وانصرفت سالماً منهم. فانظر يا أخي إلى هذه الآلة المباركة الزاهرة وما جمع فيها من خيري الدنيا والآخرة ، ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً ، وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحاً فقيل له : أتعد على الله ؟ فقال : لا ولكن أعد له ، والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالباً ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع وهو المراد والله أعلم.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن بكر بن خنيس عن رجل سماه قال : كان في يد أبي مسلم الخولاني سبحة يسبح بها قال : فقام والسبحة في يده فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه وجعلت تسبح فالتفت أبو مسلم والسبحة تدور في ذراعه وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات ويا دائم الثبات فقال : هلم يا أم مسلم وانظري إلى أعجب الأعاجيب فجاءت أم مسلم والسبحة تدور تسبح فلما جلست سكنت. وقال عماد الدين المناوي في سبحة :
ومنظومة الشمل يخلو بها
اللبيب فتجمع من همته
إذا ذكر الله جل اسمه
عليها تفرق من هيبته
مسألة : هل تداوى النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه ثم من أنكر ذلك وقال إنه أمر بالتداوي ولم يتداو ؟.
الجواب : نعم قال النووي في شرح مسلم في حديث : ( هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ) اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال الإمام أبو عبد الله المازري : احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه ومعظم العلماء على خلاف ذلك واحتجوا بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره صلى الله عليه وسلّم لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبة السوداء ، والقسط والصبر وغير ذلك وبأنه صلى الله عليه وسلّم تداوى ، وبأخبار عائشة بكثرة تداويه ، ثم نقل عن القاضي عياض أنه صلى الله عليه وسلّم تطبب في نفسه وطبب غيره انتهى.
قلت : يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن السني ، وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أم المؤمنين أعجب من بصرك بالطب قالت : يا ابن أختي إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما طعن في السن سقم فوفدت الوفود

الصفحة 6