كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 9 """"""
أنكرت عليه، وإن كان له أحاديث سواها صالحة نبهوا على أن ما عدا ما سردوه من أحاديثه صالح مقبول خصوصاً إذا كان ذلك الرجل ممن خرج له في أحد الصحيحين فإنهم يقولون: إن صاحب الصحيح لم يخرج من حديثه إلا ما صح عنده من طريق غيره فلا يلزم من ذلك قبول كل ما رواه هكذا نصوا عليه. وهذا الرجل روى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشيباني فالحجة في رواية أبي إسحاق والحديث الذي خرجه صحيح من طريق أبي إسحاق لا من طريق ليث بن أبي سليم. ولما ترجمه ابن عدي في الكامل سرد أحاديثه التي أنكرت عليه ثم قال: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وكذا صنع الحافظ الذهبي في الميزان سرد له أكثر من عشرة أحاديث أنكرت عليه منها هذا الحديث الذي نحن فيه أعني حديث من قال: أنا عالم فهو جاهل وحديث من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمداً فقد جهل. وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وحديث كان باليمن ماء يقال له زعاق من شرب منه مات فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلّم وجه إليه أيها الماء أسلم فقد أسلم الناس فكان بعد ذلك من شرب منه حم ولا يموت، في أحاديث أخر على أن هذا الحديث الذي نحن فيه لم يجزم ليث برفعه لقوله فيما تقدم: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلّم وهذه صيغة تقال عند الشك.
ومما يؤيد بطلان هذا الحديث الذي نحن فيه من جهة المعنى ثبوت هذا اللفظ عن جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وما كان هؤلاء ليقعوا في شيء ورد فيه ذم عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وكذا ثبت مثل ذلك عن خلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم كما سقت رواياتهم وألفاظهم في الكتاب المسمى بالصواعق على النواعق ولا شك أن مثل هؤلاء الأئمة لا يطبقون على التلفظ بما ذم النبي صلى الله عليه وسلّم التلفظ به، وأبلغ من ذلك قول نبي الله يوسف عليه السلام فيما حكاه الله عنه في التنزيل) إني حفيظ عليم (. فإن قلت: كيف حكم على الحديث بالإبطال وليث لم يتهم بكذب؟ قلت: الموضوع قسمان: قسم تعمد واضعه وضعه وهذا شأن الكذابين. وقسم وقع غلطاً لا عن قصد وهذا شأن المخلطين والمضطربين الحديث كما حكم الحفاظ بالوضع على الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سننه وهو من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فإنهم أطبقوا على أنه موضوع وواضعه لم يتعمد وضعه وقصته في ذلك مشهورة. وإلى ذلك أشار العراقي في ألفيته بقوله: ومنه نوع وضعه لم يقصد، نحو حديث ثابت من كثرت صلاته الحديث وهلة سرت.
وأكثر ما يقع الوضع للمغفلين والمخلطين والسئي الحفظ بعزو كلام غير النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إليه إما كلام تابعي، أو حكيم، أو أثر إسرائيلي كما وقع في المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وغير ذلك يكون معروفاً بعزوه إلى غير النبي صلى الله عليه وسلّم فيلتبس على المخلط فيرفعه إليه وهماً منه فيعده الحفاظ موضوعاً، وما ترك الحفاظ بحمد الله شيئاً إلا بينوه) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (ولكن يحتاج إلى سعة النظر وطول الباع وكثرة الاطلاع، وقد يقع الوضع في لفظة من

الصفحة 9