كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)

الْآفَات إِذا لم تكن خَاصَّة بِالْعينِ اسْتدلَّ مِنْهَا على آفَة فِي الدِّمَاغ. وَقد تدل الخيالات بألوانها وَلقَائِل أَن يَقُول إِن الخيال الْأَبْيَض كَيفَ يدلّ مِنْهَا على البلغم الْغَالِب وَهُوَ بَارِد وَأَنْتُم نسبتم التشوش إِلَى الحرّ فَنَقُول ذَلِك بِحَسب المزاج لَا بِحَسب اعْتِرَاض الْموَاد للقوة الصحية الْكَامِلَة الْحَرَارَة الغريزية. وَأما فِي السّمع فَمثل أَن يضعف فَلَا يسمع إِلَّا الْقَرِيب الجهير أَو يتشوّش فَيسمع مَا لَيْسَ لَهُ وجود من خَارج مثل الدوي الشبيه بخرير المَاء أَو بِضَرْب المطارق أَو بِصَوْت الطبول أَو بكشكشة أوراق الشّجر أَو حفيف الرِّيَاح أَو غير ذَلِك. فيستدلّ بذلك إمّا على مزاج يَابِس حَاضر فِي نَاحيَة الْوسط من الدِّمَاغ أَو على ريَاح وأبخرة محتبسة فِيهِ أَو صاعدة إِلَيْهِ وَغير ذَلِك مِمَّا يدل عَلَيْهِ. وَإِمَّا أَن يبطل أصلا والضعف والبطلان لِكَثْرَة الْبرد وَالَّذِي يسمع كَأَنَّهُ يسمع من بعيد وَأما فِي الشم فبأن يعْدم أَو يضعف أَو يتشوش فيحس بروائح لَيْسَ لَهَا وجود من خَارج مُنْتِنَة أَو غير مُنْتِنَة فيدلّ فِي الْأَكْثَر على خلط محتبس فِي مقدم الدِّمَاغ يَفْعَله إِن لم يكن شَيْئا خَاصّا بالخيشوم. وَأما الذَّوْق واللمس فقد يجريان هَذَا المجرى إِلَّا أَن تغيرهما عَن المجرى الطبيعي فِي الْأَكْثَر يدل على فَسَاد خَاص فِي الإنهاء الْقَرِيبَة وَفِي الْأَقَل على مُشَاركَة من الدِّمَاغ خُصُوصا مثل مَا إِذا كَانَ عَاما كخدر جَمِيع الْبدن وَقد تشترك الْحَواس فِي نوع من الضعْف وَالْقُوَّة يدل على حَالَة فِي الدِّمَاغ دائمة وَهِي الكدورة والصفاء. وَلَيْسَ مَعَ كل ضعف كدورة فقد يكون ضعف مَعَ الصفاء مثل أَن يكن الْإِنْسَان يبصر الشَّيْء الْقَرِيب والقليل الشعاع إبصاراً جيّداً صافياً وَيرى الْأَشْيَاء الصَّغِيرَة مِنْهَا ثمَّ إِذا بَعدت أَو كثر شعاعها عجز عَن إِدْرَاكهَا فَإِذن الكدورة والصفاء قد يكونَانِ مَعًا فِي الضعْف والصفاء قد يكون لَا محَالة مَعَ الْقُوَّة لَكِن الكدورة دَائِما تدل على مَادَّة والصفاء على يبوسة. وَهَذِه الكدورة رُبمَا استحكمت بَغْتَة فَكَانَ مِنْهَا السَدر وَهُوَ يدلّ على مَادَّة بخارية فِي عروق الدِّمَاغ والشبَكة وَالْحكم فِي الاستدلالات عَن هَذِه الْآفَات أَن مَا يجْرِي مجْرى التشوش فَهُوَ فِي أَكثر الْأَمر تَابع لمزاج حَار يَابِس. وَمَا يجْرِي مجْرى النُّقْصَان والضعف فَهُوَ فِي الْأَكْثَر تَابع لبرد إِلَّا أَن يكون مَعَ شدَّة ظُهُور فَسَاد وَسُقُوط قوّة فَرُبمَا كَانَ مَعَ ذَلِك من الْحَرَارَة وَلَكِن الْحَرَارَة ملائمة للقوى بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبرد. فَمَا لم يعظم استضرار المزاج بِهِ وفساده لم يُورد فِي القوى نُقْصَانا فَيجب أَن لَا يعوّل حِينَئِذٍ على هَذَا الدَّلِيل بل تتوقّع الدَّلَائِل الْأُخْرَى الْمَذْكُورَة لكل مزاج من المزاجين والبطلان قد يدل على تكّد أَسبَاب النُّقْصَان إِن كَانَ لسَبَب دماغي وَلم

الصفحة 12