كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)

يكن لسَبَب آفَات فِي الْآلَات من فَسَاد وَانْقِطَاع وسدّة وَبِالْجُمْلَةِ زَوَال عَن صلوحها للْأَدَاء أَو لسَبَب فِي الْعُضْو الحسّاس نَفسه وَمن الْأَعْضَاء الحساسة مَا هُوَ شَدِيد الْقرب من الدِّمَاغ فيقلّ أَن لَا تكون الآفة فيهمَا مُشْتَركَة مثل السّمع والشم فَأكْثر آفاته الَّتِي لَا تَزُول بتنقية وتعديل مزاج يكون من الدِّمَاغ. وَلذَلِك مَا يكون سَائِر الْحَواس إِذا تأذت بمحسوساتها دلّت على آفَة فِيهَا من حر أَو يبس لم يبلغَا أَن يسْقط الْقُوَّة والسمع ثمَّ الشمّ وَفِي الْأَكْثَر يدل على أَن ذَلِك المزاج فِي الدِّمَاغ. وَأما الْأَفْعَال السياسية: فَإِن قُوَّة الْوَهم والحدس دَالَّة على قُوَّة مزاج الدِّمَاغ بأسره وَضَعفه دالّ على آفَة فِيهِ مَوْقُوفَة إِلَى أَن يتَبَيَّن أيّ الْأَفْعَال الْأُخْرَى اختلّ فَمِنْهَا فَسَاد قُوَّة الخيال والتصور وآفتها فَإِن هَذِه القوّة إِذا كَانَ قَوِيَّة أعانت فِي الدّلَالَة على صِحَة مقدم الدِّمَاغ وَهَذِه الْقُوَّة إِنَّمَا تكون قَوِيَّة إِذا كَانَ الْإِنْسَان قَادِرًا على جودة تحفظ صور المحسوسات مثل الأشكال والنقوش والحلو والمذاقات والأصوات والنغم وَغَيرهَا فَإِن من النَّاس من يكون لَهُ فِي هَذَا الْبَاب قوّة تَامَّة حَتَّى إِن الْفَاضِل من المهندسين ينظر فِي الشكل المخطوط نظرة وَاحِدَة فترتسم فِي نَفسه صورته وحروفه وَيَقْضِي الْمَسْأَلَة إِلَى آخرهَا مستغنياً عَن معاودة النّظر فِي الشكل. وَكَذَلِكَ حَال قوم بِالْقِيَاسِ إِلَى النغم وَحَال قوم بِالْقِيَاسِ إِلَى المذاقات وَغير ذَلِك وَبِهَذَا الْبَاب تتعلّق جودة تعرف النبض فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى خيال قويّ ترتسم بِهِ فِي النَّفس قوى الملموسات وَهَذِه الْقُوَّة إِذا عرضت لَهَا الآفة. أما بطلَان الْفِعْل فَلَا تقوى فِيهِ صُورَة خيال محسوس بعد زَوَاله عَن النِّسْبَة الَّتِي تكون بَينه وَبَين الحاسة حَتَّى يحسّ بهَا وَإِمَّا ضعف وَإِمَّا نُقْصَان وَإِمَّا تغير عَن المجرى الطبيعي بِأَن يتخيّل مَا لَيْسَ مَوْجُودا دلّ ضعفه وتعذره وَبطلَان فعله فِي الْأَكْثَر على إفراط برد أَو يبس فِي مقدم الدِّمَاغ أَو رُطُوبَة. وَالْبرد هُوَ السَّبَب بِالذَّاتِ والآخران سببان بِالْعرضِ لِأَنَّهُمَا يجلبانه. وَدلّ تغير فعله وتشوّشه على فضل حرارة وَهَذَا كلّه بِحَسب أَكثر الْأُمُور وعَلى نَحْو مَا قيل فِي القوى الحساسة وَقد يعرض هَذَا الْمَرَض لأصحاء الْعقل حَتَّى تكون معرفتهم ميل والقبيح تَامَّة وَكَلَامهم مَعَ النَّاس صَحِيحا لكِنهمْ يتخيّلون قوما حضوراً لَيْسُوا بموجودين خَارِجا ويتخيّلون أصوات طبالين وَغير ذَلِك كَمَا حكى جالينوس أَنه كَانَ عرض لروطلس الطَّبِيب وَمِنْهَا فَسَاد فِي قُوَّة الْفِكر والتخيّل إِمَّا بطلَان ويسمّى هَذَا: ذهَاب الْعقل وَإِمَّا ضعف وَيُسمى حمقاً ومبدؤهما برد مقدّم الدِّمَاغ أَو يبوسته أَو رطوبته وَذَلِكَ فِي الْأَكْثَر على مَا قيل وَإِمَّا تغيّر وتشوّش حَتَّى تكون فكرته فِي مَا لَيْسَ. ويستصوب غير الصَّوَاب ويسمّى: اخْتِلَاط الْعقل فيدلّ: إِمَّا على صرم وَإِمَّا على مَادَّة صفراوية حارة يابسة وَهُوَ الْجُنُون السبعي وَيكون اخْتِلَاطه مَعَ شرارة وَإِمَّا على مَادَّة سوداوية وَهُوَ المالنخوليا وَيكون اخْتِلَاطه مَعَ سوء ظن وَمَعَ فكر بِلَا تَحْصِيل. والمائل من

الصفحة 13