كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)

من الدِّمَاغ إِلَيْهِ وَأما تغيرها فَإِن كَانَ بَغْتَة دلّ على رُطُوبَة أَيْضا وَإِن كَانَ قَلِيلا قَلِيلا فعلى يبوسة أَعنِي فِي الْآلَات وَالَّذِي يخصّ الدِّمَاغ فَمثل تغيّر حركات المصروع بالصرع الَّذِي هُوَ تشنّج عَام وَلَا يكون إِلَّا عَن رُطُوبَة لِأَنَّهُ كَائِن دفْعَة أَو بمشاركة عُضْو آخر بِحَسب مَا تبيّن ويدلّ على سدّة غير كَامِلَة وَمثل رعشة الرَّأْس فَإِن جَمِيع هَذِه يدلّ على مَادَّة غَلِيظَة فِي ذَلِك الْجَانِب من الدِّمَاغ أَو ضعف أَو يبوسة إِن كَانَ بعض أمراض سبقت وَكَانَ حُدُوثه قَلِيلا قَلِيلا. وَأما مَا كَانَ فِي أَعْضَاء أبعد من الدِّمَاغ فَالْقَوْل فِيهِ مَا قُلْنَا مرَارًا وَهَذِه كلّها حركات خَارِجَة عَن المجرى الطبيعي ونقول أَيْضا إِن كَانَ الْإِنْسَان نشيطاً للحركات فمزاج دماغه فِي الأَصْل حاراً ويابس وَإِن كَانَ إِلَى الكسل والاسترخاء فمزاجه بَارِد أَو رطب. وَإِذا كَانَ بِهِ مرض وَكَانَت حركاته إِلَى القلق هُوَ حَار. وَإِن كَانَت إِلَى الهدء وَلم تكن القوّة شَدِيدَة السُّقُوط فَهُوَ إِلَى الْبرد. وَمِمَّا يُنَاسب هَذَا الْبَاب الِاسْتِدْلَال من حَال النّوم واليقظة: فَاعْلَم أَن النّوم دَائِما تَابع لسوء مزاج رطب مرخٍ أَو بَارِد مجمّد لحركة القوى الحسية أَو لشدّة تحلّل من الرّوح النفساني لفرط الْحَرَكَة أَو لاندفاع من القوى إِلَى الْبَاطِن لهضم الْمَادَّة ويندفع مَعهَا الرّوح النفساني بالاتباع كَمَا يكون بعد الطَّعَام. فَمَا لم يجر من النّوم على المجرى الطبيعي وَلم يتبع تعباً وحركة فسببه رُطُوبَة أَو جمود فَإِن لم تقع الْأَسْبَاب المجمّدة وَلم تدلّ الدَّلَائِل على إفراط برد مِمَّا سَنذكرُهُ فسببه الرُّطُوبَة ثمَّ لَيْسَ كل رُطُوبَة توجب نوماً. فَإِن الْمَشَايِخ مَعَ رُطُوبَة أمزجتهم يطول سهرهم ويَرَى جالينوس أَن سَبَب ذَلِك من كَيْفيَّة رطوباتهم البورقية فَإِنَّهَا تسهر بأذاها للدماغ إِلَّا أَن اليبوسة على كل حَال مسهّرة لَا محَالة. فصل فِي الدَّلَائِل الْمَأْخُوذَة عَن الْأَفْعَال الطبيعية مِمَّا ينتفض وَمَا ينْبت من الشّعْر وَمَا يظْهر من الأورام والقروح. وَأما الدَّلَائِل الْمَأْخُوذَة من جنس أَفعَال الطبيعة فتظهر من مثل الفضول بانتفاضها فِي كميتها وكيفيتها أَو بامتناعها وانتفاضها يكون من الحنك وَالْأنف وَالْأُذن وَبِمَا يظْهر على الرَّأْس من القروح والبثور والأورام وَبِمَا ينْبت من الشّعْر فَإِن الشّعْر ينْبت من فضول الدِّمَاغ ويستدلّ من الشّعْر بِسُرْعَة نَبَاته أَو بطئه وَسَائِر مَا قد عدد من أَحْوَاله. فلنذكر طَرِيق الِاسْتِدْلَال من انتفاضات الفضول عَن المسالك الْمَذْكُورَة وَهَذِه الفضول إِذا كثرت دلّت على الْموَاد الْكَثِيرَة ودلّت على السَّبَب الَّذِي يكثر بِهِ فِي الْعُضْو الفضول كَمَا قد عَلمته وعَلى أَن الدافعة لَيست بضعيفة. وَأما إِذا امْتنعت أَو قلّت وَوجد مَعَ ذَلِك إِمَّا ثقل وإمّا وخز وَإِمَّا لذع

الصفحة 15