كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)

يحسبه هُوَ الشبيه لمزاجه فمزاجه. يعرف من ذَلِك ومخالفه فِي تِلْكَ الْحَالة ضدّ مزاجه. وَأما فِي حَال خُرُوجه عَن صِحَّته وتغيّر مزاجه عَنهُ فَالْحكم بالضدّ وَقد قُلْنَا فِيمَا سلف من الْأَقَاوِيل الكليّة أنّ الصحّة لَيست فِي الْأَبدَان كلهَا على مزاج وَاحِد وَأَنه يُمكن أَن تكون صِحَة بدن عَن مزاج يكون مثله مِمَّا يجلب مَرضا لبدن آخر لَو كَانَ لَهُ ذَلِك المزاج إلاّ أَنه يجب أَن يعْتَبر مَا يُخَالِفهُ فِي الطّرف الآخر أَيْضا مقيساً بِمَا يُخَالِفهُ فِي هَذَا الطّرف حَتَّى يعلم بالحدس الْمِقْدَار الَّذِي لَهُ من المزاج. فإنّ الإفراطين مَعًا مخالفان مؤذيان لَا محَالة وَإِنَّمَا يُوَافق صِحَة مَا من الْخَارِج عَن الِاعْتِدَال مَا لم يفرط جدا والدماغ الَّذِي بِهِ سوء مزاج حَار ينْتَفع بالنسيم الْبَارِد والأطلية الْبَارِدَة والروائح الْبَارِدَة طيبَة كَانَت كالكافوريّة أَو الصندليّة والنيلوفريّة وَنَحْوهَا أَو مُنْتِنَة كالحمئية والطحلبية. وَينْتَفع بالدعة والسكون وَالَّذِي بِهِ سوء مزاج بَارِد ينْتَفع بِمَا يضاد ذَلِك فينتفع بالهواء الْحَار والروائح الحارة الطّيبَة والمنتنة أَيْضا المحلِّلة المسخّنة وبالرياضات والحركات وَالَّذِي بِهِ سوء مزاج يَابِس يتأذّى بِمَا يستفرغ مِنْهُ وينتفض عَنهُ. وَالَّذِي بِهِ سوء مزاج رطب ينْتَفع بِمَا يستفرغ مِنْهُ وينتفض عَنهُ. وَأما الِاسْتِدْلَال من سرعَة انفعالاته مثل أَن يسخن سَرِيعا أَو يبرد سَرِيعا فَالَّذِي يسخن سَرِيعا يدل على حرارة مزاج على الشريطة الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب الكلّي وَكَذَلِكَ الَّذِي يبرد سَرِيعا وَكَذَلِكَ الَّذِي يجفّ سَرِيعا فقد يكون ذَلِك لقلّة رطوبته أَو لحرارة مزاجه ولكنّ الْفرْقَان بَينهمَا أنّ الأوّل يُوجد مَعَه سَائِر عَلَامَات يبوسة الدِّمَاغ مثل السهر وَغَيره مِمَّا نذكرهُ فِي بَاب عَلَامَات مزاج الدِّمَاغ. وَهَذَا الثَّانِي إِمَّا يعرض لَهُ اليبوسة فِي الْأَحَايِين عِنْد حَرَكَة عنيفة أَو حرارة شَدِيدَة أَو مَا يجْرِي مجْرَاه من أَسبَاب اليبوسة ثمَّ لَا يكون لَهُ فِي سَائِر الْأَوْقَات دَلِيل اليبوسة. وَالَّذِي لحرارة مزاجه فَيكون مَعَه سَائِر عَلَامَات الْحَرَارَة فِي المزاج. وَالَّذِي يرطب سَرِيعا فقد يكون لحرارة جوهره وَقد يكون لبرد جوهره وَقد يكون لأنّ مزاج جوهره الْأَصْلِيّ رطب وَقد يكون لأنّ مزاج جوهره الْأَصْلِيّ يَابِس فَإِن كَانَت من حرارة كَانَت هُنَاكَ عَلَامَات الْحَرَارَة ثمَّ كَانَ ذَلِك الترطيب لَيْسَ مِمَّا يكون دَائِما وَلكنه عقيب حرارة مفرطة وَقعت فِي الدِّمَاغ فجذبت الرطوبات إِلَيْهِ فملأته ثمَّ إِن بَقِي المزاج الْحَار غَالِبا أعقبه اليبس النفض وَإِن غلبت الرطوبات عَاد الدِّمَاغ فَصَارَ بَارِدًا رطبا وَإِن اسْتَويَا حدثت فِي أَكثر الْأَمر العفونة والأمراض العفنة والأورام لِأَن هَذِه الرُّطُوبَة لَيست بغريزيّة فتتصرف فِيهَا الْحَرَارَة الغريزيّة تَصرفا طبيعيّاً بل إِنَّمَا تتصرف فِيهَا تَصرفا غَرِيبا وَهُوَ العفونة. وَأما إِن كَانَ لبرد المزاج لم يكن حُدُوث الرُّطُوبَة دفْعَة بل على الْأَيَّام ثمَّ يصير الترطّب وَيكون بِسُرْعَة وَتَكون عَلَامَات برودة مزاج الدِّمَاغ

الصفحة 17