كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)

مَوْجُودَة وَإِن كَانَ ذَلِك لرطوبة الدِّمَاغ نَفسه فَتكون السرعة فِي ذَلِك لأحد شَيْئَيْنِ: إمّا لِأَن الرُّطُوبَة بِفعل الْبرد وَيفْسد الْبرد الْقُوَّة الهاضمة الْمُغيرَة لما يصل إِلَى الدِّمَاغ من الْغذَاء فَيظْهر ترطب فَمَاذَا حدث ذَلِك الْبرد دفْعَة كَانَ الترطب بِسُرْعَة بعده دفْعَة. وَإِذا حدث مَعَ ذَلِك سدد فِي المجاري عرض أَن تحبس الفضول ثمَّ هَذَا يكون دَائِما ولازماً لَيْسَ مِمَّا يكون نَادرا وَكَائِنًا دفْعَة دفْعَة. وأمّا الْكَائِن ليبوسة الدِّمَاغ فسببه النشف الَّذِي يَقع دفْعَة إِذا وَقعت يبوسة وَيكون مَعَ عَلَامَات اليبوسة الْمُتَقَدّمَة وَيكون شَبِيها بِمَا يَقع من الْحَرَارَة إِلَّا فِيمَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ من عَلَامَات الْحَرَارَة وعلامات اليبوسة. فَهَذِهِ الدَّلَائِل الْمَأْخُوذَة من سرعَة الانفعال وَلَيْسَ يجب أَن يعْتَبر سرعَة الانفعال بِحَسب ضعف القوى الطبيعية لَا سيّما فِي الترطب لِأَن ضعف القوى الطبيعية تَابع لأحد هَذِه الْأَسْبَاب وَلَيْسَ كل الموافقات والمخالفات مَأْخُوذَة من جِهَة الكيفيّات بل قد تُؤْخَذ من جِهَة الهيئات والحركات كَمَا يرى صَاحب العلّة الْمَعْرُوفَة بالبيضة يُؤثر الاستلقاء على سَائِر أوضاع ضجعته. فصل فِي الِاسْتِدْلَال الْكَائِن من جِهَة مِقْدَار الرَّأْس وأمّا التعرُّف الْكَائِن بِحَسب صغر الرَّأْس وَكبره فَيجب أَن تعلم أنّ صغر الرَّأْس سَببه فِي الْخلقَة قلّة الْمَادَّة كَمَا أنّ سَبَب كبره كَثْرَة الْمَادَّة أَعنِي الْمَادَّة النطفيّة المتوزعة فِي التَّوْزِيع الطبيعي للرأس ثمَّ إِن كَانَ قلَّة الْمَادَّة مَعَ قُوَّة من الْقُوَّة المصورة الأولى كَانَ حسن الشكل وَكَانَ أقل رداءة من الَّذِي يجمع إِلَى صغر الرَّأْس رداءة الشكل فِي الْخلقَة الَّتِي تدلّ على ضعف القوّة على أَنه لَا يَخْلُو من ردِاءة فِي هَيْئَة الدِّمَاغ وَضعف من قواه وضيق لمجال القوى السياسية والطبيعية فِيهِ. وَلذَلِك مَا بتّ أَصْحَاب الفراسة الْقَضِيَّة بأنّ هَذَا الْإِنْسَان يكون لجوجاً جَبَانًا سريع الْغَضَب متحيّراً فِي الْأُمُور. وَقَالَ جالينوس: إنّ صغر الرَّأْس لَا يَخْلُو الْبَتَّةَ عَن دلَالَة على رداءة هَيْئَة الدِّمَاغ وَإِن كَانَ كبر الرَّأْس لَيْسَ دَائِم الدّلَالَة على جودة حَال الدِّمَاغ مَا لم يقْتَرن إِلَيْهِ جودة الشكل وغظ الْعُنُق وسعة الصَّدْر فَإِنَّهَا تَابِعَة لعظم الصلب والأضلاع التَّابِعين لعظم النخاع وقوته التَّابِعين لقوّة الدِّمَاغ فإنّ كَثْرَة الْمَادَّة إِذا قارنها قُوَّة من القوّة المصورة كَانَ الرَّأْس على هَذِه الْهَيْئَة. وَمِمَّا يُؤَكد ذَلِك أَن يكون هُنَاكَ مُنَاسبَة لسَائِر الْأَعْضَاء فَإِن قارنه ضعف مِنْهَا كَانَ رَدِيء الشكل ضَعِيف الرَّقَبَة صَغِير الصلب أَو مؤفّ مَا يُحِيط بِهِ. وينبت عَنهُ على أنّه قد يعرض من زِيَادَة الرَّأْس فِي الْعظم مَا لَيْسَ بطبيعي مثل الصّبيان يعرض لَهُم انتفاخ الرَّأْس وتعظمه مَا لَيْسَ فِي الطَّبْع بل على سَبِيل

الصفحة 18