كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 2)
الْفَنّ الأول أمراض الرَّأْس والدماغ يشْتَمل على خمس مقالات: الْمقَالة الأولى أمراض الرَّأْس والدماغ فصل فِي معرفَة الرَّأْس وأجزائه قَالَ جالينوس: إِن الْغَرَض فِي خلقَة الرَّأْس لَيْسَ هُوَ الدِّمَاغ وَلَا السّمع وَلَا الشمّ وَلَا الذَّوْق وَلَا اللَّمْس فَإِن هَذِه الْأَعْضَاء والقوى مَوْجُودَة فِي الْحَيَوَان العديم الرَّأْس وَلَكِن الْغَرَض فِيهِ هُوَ حسن حَال الْعين فِي تصرّفها الَّذِي خلقت لَهُ. وليكون للعين مطلع ومشرف على الْأَعْضَاء كلّها فِي الْجِهَات جَمِيعهَا فَإِن قِيَاس الْعين إِلَى الْبدن قريب من قِيَاس الطليعة إِلَى الْعَسْكَر. وَأحسن الْمَوَاضِع للطلائع وَأَصْلَحهَا هُوَ الْموضع المشرف ثمَّ أَيْضا لَا حَاجَة إِلَى خلق الرَّأْس لكل عين على الْإِطْلَاق بل للحيوان اللين الْعين المحتاجة عينه إِلَى فضل حرز ووثاقة مَوضِع فَإِن كثيرا من الْحَيَوَانَات العديمة الأرؤس خلق لَهُ زائدتان مشرفتان من الْبدن وهندم عَلَيْهِمَا عينان ليَكُون لكل مِنْهُمَا مطلع ومشرف لبصره ثمَّ لم يحْتَج فِي تَصَرُّفَات عينه إِلَى خلقَة رَأس لصلابة مقلته وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَى الرَّأْس للحيوانات الَّتِي تحْتَاج أَعينهم إِلَى كنّ وتحتاج إِلَى أَن تأتيها أعصاب لحركات شتّى من حركات المقلة والأجفان لَا يصلح لمثلهَا عُضْو وَاحِد متباعد متضائل وَنحن نستقصي ذَلِك فِي بَاب الْعين وأجزاء الرَّأْس الذاتية وَمَا يتبعهَا هِيَ: الشّعْر ثمَّ الْجلد ثمَّ اللَّحْم ثمَّ الغشاء ثمَّ القحف ثمَّ الغشاء الصلب ثمَّ الغشاء الرَّقِيق المشيمي ثمَّ الدِّمَاغ جوهره وبطونه وَمَا فِيهِ ثمَّ الغشاءان تَحْتَهُ ثمَّ الشبكة ثمَّ الْعظم الَّذِي هُوَ الْقَاعِدَة للدماغ. فصل فِي تشريح الدِّمَاغ فَأَما تشريح الدِّمَاغ فَإِن الدِّمَاغ يَنْقَسِم إِلَى جَوْهَر حجابيّ وَإِلَى جَوْهَر مخي وَإِلَى تجاويف فِيهِ مَمْلُوءَة روحاً. وَأما الأعصاب فَهِيَ كالفروع المنبعثة عَنهُ لأعلى إِنَّهَا أَجزَاء الْخَاص بِهِ. وَجَمِيع الدِّمَاغ منصّف فِي طوله تنصيفاً نَافِذا فِي حجبه ومخّه
الصفحة 5
864