كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 2)
وقيل: إنه لما وصل إلى قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} خشى المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام، فخلطوه في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم على عادتهم في قولهم: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك. أو المراد بالشيطان شيطان الإنس.
وقيل المراد بالغرانيق العلى، الملائكة، وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات الله، ويعبدونها، فنسق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع، وقالوا: قد عظم آلهتنا ورضوا بذلك،
__________
وحدث عنه أبو ذر، وتوفي يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأوربعمائة "وقيل: أنه لما وصل إلى قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20] ، خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به" كعادته إذا ذكرها "فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم على عادتهم في قولهم: لا تسمعوا لهذا القرآن" إذا قرأ "والغوا فيه" أظهروا اللغو برفع الأصوات تخليطا وتشويشا عليه بما يشغل عنه الخواطر لعجزهم عن مثله؛ زاد في الشفاء وأشاعوا ذلك وأذاعوه، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم من كذبهم عليه فسلاه الله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} الآية [يوسف: 109] ، [الأنبياء: 25] ، وبين للناس الحق من ذلك الباطل، وحفظ القرآن وأحكم آياته ودفع ما ليس به العدو؛ كما ضمنه قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} الآية [الحجر: 9] .
"ونسب ذلك للشيطان" إبليس "لكونه الحامل لهم على ذلك" كما جزم به عياض، "أو المراد بالشيطان شيطان الإنس" أي: جنسه، قال شيخنا: وهذا الجواب أقرب الأجوبة فيما ينبغي، وإن قال في شرح الهمزية: إنه تعسف.
"وقيل المراد" واستظهره عياض، والمراد: "بالغرانيق العلا الملائكة" كما قاله الكلبي بناء على رواية مجاهد، والغرانقة العلا؛ كما قال عياض، لا على رواية تلك: لأنه لم يتقدم للملائكة ذكر حتى يرجع إليه اسم الإشارة. "وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات الله ويعبدونها" قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] والغرانقة العلا وإن شفاعتهن لترتجى؛ "ليرد عليهم بقوله: {لَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم: 21] ، فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع" جهلا أو عنادا أو تلبيسا، "وقالوا: قد عظن آلهتنا ورضوا بذلك" مع أنه إنما يعود الغرانقة أي: الملائكة؛ لأن استعارة الطير لهم أظهر من استعارة الأصنام.
الصفحة 29
542