كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 2)

فنسخ الله تينك الكلمتين وأحكم آياته.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن، فارتصده الشيطان في سكته من تلك السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله، وأشاعها.
وقال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما ورد عن ابن عباس في تفسير "تمنى" بـ"تلا".
وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال: معنى قوله: في أمنيته، أي في تلاوته، فأخبر الله تعالى أن سنة الله في رسله، إذا قالوا....
__________
قال عياض: ورجاء الشفاعة منهم صحيح "فنسخ الله تينك الكلمتين" اللتين وجد الشيطان بهما سبيلا للتلبيس، وهما: والغرانقة العلا وإن شفاعتهن لترتجى، عبر عنهما بالكلمتين مجازا من تسمية الكل باسم الجزء، "وأحكم آياته" كما نسخ كثير من القرآن، وكان في كل من إنزالهما ونسخهما حكمة ليضل به من يشاء ويهدي من يشاء، وما يضل به إلا الفاسقين، وليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض، والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد، وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، ذكره القاضي عياض.
"وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن" ترتيلا ويفصل الآيات تفصيلا في قراءته، كما رواه عنه الثقات "فارتصده الشيطان في سكتة من تلك السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمة" أي: صوت "النبي صلى الله عليه وسلم" والنغمة في الأصل الصوت الخفي؛ كما في القاموس. "بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله" أي: مما تلاه من القرآن، "وأشاعها" ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل على ما أنزلت وتحققهم حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان، بل حكى ابن عقبة أن المسلمين لم يسمعوها، وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين وقلوبهم، ويكون حزنه صلى الله عليه وسلم لهذه الإشاعة والشبهة، وسبب هذه الفتنة، ذكره عياض مريدا به بيان القرينة القائمة على أنه ليس من قوله ولا مما أوحي إليه، فسقط الاعتراض عليه بأنه لا سبيل للشيطان عليه حتى يتمكن من إدخاله في كلامه ومتلوه ما ليس منه.
"وقال" أي: عياض ما معناه "وهذا أحسن الوجوه" وهو الذي يظهر ويترجح، "ويؤيده ما ورد عن ابن عباس في تفسير تمني بتلا" قال تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] ، أي: تلاوة، "وكذا استحسن ابن العربي" الحافظ محمد "هذا التأويل، وقال: معنى قوله في أمنيته، أي: في تلاوته فأخبر الله تعالى أن سنة الله في رسله" عليهم الصلاة والسلام "إذا قالوا

الصفحة 30