كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 2)

يعبد ربه في داره، وابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، ويعجبون منه. وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.
فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فقالوا............
__________
الأرض وأعبد ربي، فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا تخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف عشية في أشراف قريش، فقال: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا له: مر أبا بكر، فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك "يعبد ربه في داره" ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره.
قال الحافظ: ولم يقع لي بيان المدة التي أقام فيها أبو بكر على ذلك، "وابتنى" لفظ عائشة: ثم بدا لأبي بكر فابتنى "مسجدا بفناء داره" بكسر الفاء وخفة النون والمد، أي: أمامها، "وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن" أي: ما نزل منه كله أو بعضه، "فيتقصف" بتحتية ففوقية فقاف فصاد مهملة ثقيلة مفتوحتين، أي: يزدحم "عليه نساء المشركين وأبناؤهم" حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر، قال الحافظ: وأطلق يتقصف مبالغة، يعني لأنهم لم يصلوا إلى هذه الحالة. وفي رواية المستملي والمروزي: ينقذف بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مفتوحة فذال معجمة مكسورة ففاء.
قال الخطابي: ولا معنى له والمحفوظ الأول، إلا أن يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الأول، وفي رواية الكشميهني والجرجاني: فينقصف بنون ساكنة بدل الفوقية وكسر الصاد أي: يسقط، "ويعجبون منه وكان أبو بكر رجلا بكاء" بشد الكاف: كثير البكاء، "لا يملك عينيه" قال الحافظ: أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه "إذا قرأ القرآن" إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك أو شرطية والجزاء مقدر، "فأفزع ذلك" أي: أخاف ما فعله أبو بكر "أشراف قريش من المشركين" لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى الإسلام.
قال في الرواية: فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، "فقالوا" إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة

الصفحة 35