كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 2)

وباعوا ما معهم من التجارة، فربحوا الدرهم درهمين. وأنزل الله في المؤمنين: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] إلى قوله {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] .
والصحيح أن هذه الآية نزلت في شأن حمراء الأسد، كما نصَّ عليه العماد بن كثير.
__________
وفي البغوي: كانت بدر الصغرى موضع سوق الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام لهلال ذي القعدة إلى ثمانٍ تخلو منه، ثم يتفرّقون إلى بلادهم، لكنه مشكل مع ما قدَّمه المصنف من أن الخروج في شعبان، ويقال لهلال ذي القعدة، بل لا يصح إلّا على القول بأن الخروج في شوال، اللهمَّ إلا أن يخرج على الثاني مع تأويله بأنه كانت كذلك بالنظر لوصوله إلى بدر، لا لخروجه من المدينة، أو أطلق الهلال، وأراد ما يقاربه, بقي أنه يشكل على تصحيح قول ابن إسحاق أنه خرج في شعبان إلا أن يئول بأن معناه: عزم على الخروج فيه، وأمر أصحابه بالتهيؤ، ولم يخرج بالفعل إلّا في أواخر شوال, حتى وصل هلال ذي القعدة، وهذا جمع بين الأقوال.
"وباعوا ما معهم من التجارة" التي خرجوا بها معهم، "فربحوا الدرهم درهمين" كما روي أن عثمان قال: ربحت للدينار دينارًا، "وأنزل الله في المؤمنين: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] الآية، بأُحد، وخبر المبتدأ قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} إلى قول: {فَانْقَلَبُوا} [آل عمران: 174] الآية. رجعوا من بدر {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْل} [آل عمران: 174] الآية. بسلامة وربح {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] , من قتل أو جرح. هذا قول مجاهد وعكرمة.
"والصحيح" وهو قول المفسرين: "إن هذه الآية نزلت" قبل ذلك "في شأن حمراء الأسد كما نص عليه العماد بن كثير" وسبقه إلى ترجيحه ابن جرير, ووقع في البيضاوي والجلال ما يشبه التناقض, فذكر أن قوله: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا} [آل عمران: 172] الآية. في حمراء الأسد، وأعرب الجلال {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ} بدلًا منه، ثم قالا: فانقلبوا، أي: رجعوا من بدر بنعمة من الله، وفضل ربح في التجارة، فإنهم أتوا بدرًا وافوا بها سوقًا، فاتَّجروا وربحوا. انتهى.
وهذا إنما يأتي على أنها نزلت في بدر، فهو خلط بين قولين متنافيين، إلّا أن يقال قولهما رجعوا من بدر، بيان لما ترتَّب على استجابتهم له -عليه السلام- في حمراء الأسد، ولم يبالوا بكونها في عام آخر لكونها من ثمرات الأولى, فكأنهما شيء واحد، وعليه فتفسيرهما قوله: {فَانْقَلَبُوا} برجعوا من بدر يكون حملًا للآية على أنه عبَّر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه, هكذا أملاني شيخنا.

الصفحة 538