كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

قلت: "مررتُ به وَحْدَه"، فكأنّك قلت: "مررتُ به منفرِدًا"، ويحتمل عند سيبويه (¬1) أن يكون للفاعل وللمفعول. وكان الزَجّاج يذهب إلى أنّ "وحده" مصدرٌ، وهو للفاعل دون المفعول، فإذا قلت: "مررتُ به منفردًا"، فكأنّك قلت: "أفردتُه بمُروري إفرادًا". وقال يُونُس: إذا قلت: "مررتُ به وحدَه" فهو بمنزلةِ "مُوحَدًا"، أو "منفرِدًا"، وتجعله للمرور به. وليونسَ (¬2) فيه قولٌ آخر: أنّ "وحدَه" معناه: على حِياله، و"على حياله" في موضع الظرف، وإذا كان الظرفُ صفةً أو حالًا، قُدّر فيه مستقِرٌّ ناصبٌ للظرف، ومستقرٌّ هو الأوّلُ.
واعلم أنّ "وحدَه" لم يُستعمل إلاّ منصوبًا، إلاّ ما ورد شاذًّا، قالوا: "هو نَسِيجُ وَحْده" (¬3)، و"عُيَيْرُ وحده" (¬4)، و"جُحَيْشُ وحدِه" (¬5). وأمّا "نسيجُ وحده"، فهو مَدْحٌ، وأصلُه أنّ الثوْب إذا كان رَفِيعًا، فلا يُنسَج على مِنْواله معه غيرُه. فكأنّه قال: نسيجُ إفراده. يقال هذا للرجل إذا أُفْرِدَ بالفضل. و"أمّا عُيَيْرُ وحده"، و"جُحَيْشُ وحده"، فهو تصغيرُ "عَيْرٍ"، وهو الحِمارُ، يقال للوَحْشيّ والأهْليّ، و"جُحَيشُ وحده"، وهو وَلَدُ الحمار فهو ذَمٌّ، يقال للرجل المُعْجَبِ برَأْيه، لا يُخالِط أحدًا في رأي، ولا يدخل في مَعُونةِ أحد. ومعناه أنّه ينفرِد بخِدْمةِ نفسه، وأما قولهم: "جاؤوا قَضَّهم بقَضيِضهم"، أي: جميعًا، ولمّا كان معناه التنكيرَ جاز أن يقع حالًا. قال الشمّاخ [من الطويل]:
282 - أَتَتْنِي سُلَيْمٌ قَضَّهَا بقَضِيضِها ... تُمَسِّحُ حَوْلِي بالبَقِيع سِبالَها
¬__________
(¬1) انظر: الكتاب 1/ 373، 374.
(¬2) الكتاب 1/ 378.
(¬3) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال 2/ 303؛ ولسان العرب 3/ 449 (وحد)، 4/ 624 (عير)؛ والمستقصى 2/ 367؛ ومجمع الأمثال 2/ 13؛ والوسيط في الأمثال ص 169.
(¬4) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في الحيوان 2/ 257؛ ولسان العرب 3/ 449، 450 (وحد)؛ 4/ 624 (عير)، 6/ 270 (جحش)؛ ومجمع الأمثال 2/ 13.
(¬5) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في الحيوان 2/ 257؛ وزهر الأكم 2/ 64؛ ولسان العرب 3/ 449 (وحد)، 4/ 624 (عير)، 6/ 270 (جحش)؛ ومجمع الأمثال 2/ 13.
282 - التخريج: البيت للشماخ بن ضرار في ديوانه ص 290؛ وخزانة الأدب 3/ 194؛ ولسان العرب 7/ 221 (قضض)، 11/ 322 (سبل).
اللغة: قضها بقضيضها: منقضًا آخرهم على أولهم. والبقيع: موضع بالمدينة. والسبال: جمع سبلة وهو مقدم اللحية، وتمسح سِبالها: أي: يمسحون لحاهم تأهُّبًا للكلام.
المعنى: لقد أتاني أفراد هذه القبيلة يدافع بعضهم بعضًا، يمسحون لحاهم تأهبًا للكلام على أمر ما
بيني وبينهم.
الإعراب: "أتتني": فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، وتاء التأنيث: لا محل لها من الإعراب، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: مفعول به محله النصب. "سليم": فاعل مرفوع بالضمة. "قضها": حال منصوبة بالفتحة، وها: مضاف إليه محله الجر. "بقضيضها": جار =

الصفحة 19