كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)
"فرسٌ"، ونحو ذلك ممّا لا يعقِل. وإذا قلت: "ما زيدٌ؟ " فجوابُه: "طويلٌ"، أو"أسودُ"، أو"سَمِينٌ"، فتقع على صفاته.
وقد تُقام الصفة مُقام الموصوف في الخبر، نحو: "مررت بعاقل وكاتب"، فكذلك يجوز أن تقوم مقامَه في الاستخبار، فإذا قيل: "ما عندك؟ " قلت: "زيد" أو"عمرو" ونحوهما من أشخاصِ الأناسي. وذلك على إقامة "مَا"، وهو استخبار عن الأوصاف، مقامَ "مَن" في الاستخبار عن المعارف، كما أقمت "الكاتبَ" مقامَ "زيد"، وكما أقمته مقامه في الاستخبار.
كذلك يجوز أن تُقيمه مقامه في الخبر، وعليه قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (¬1). ومن ذلك ما حُكي عن أبي زيد "سُبْحانَ ما سبح الرعدُ بحَمده"، و"سبحانَ ما سخركن لنا".
فامّا إذا قلت في جواب "مَا عِندَكَ؟ ": "رجلٌ"، أو"فرسٌ"، فليس على إقامة الصفة مقامَ الموصوف؛ لأن "ما" يُسأَل بها عن الأنواع والأشياء التي تدل على أكثرَ من واحد (¬2). فمن حيث كان "رجلٌ" و"فرسٌ" نوعَيْن يَعُمّان جماعة كثيرة، جاز أن يقعا في جواب "ما"، وليس ذلك باتساع، كما كان وقوعُ "زيد" و"عمرو" في جوابها اتّساعًا.
وقوله: "تقول لشَبَح رُفع لك من بعيد لا تشعر به: ما ذَاكَ؟ "، يريد أنّك إذا رأيت شخصًا من بُعْد، ولا تتحققُ أنه من العُقلاء، أو غيرهم، عبرتَ عنه بـ "مَا"؛ لأنّها تقع على الأنواع، فكأن السؤال وقع عن نوعِ الشبح المَرئي. فإذا تحقّقتَ أنّه إنسانٌ، قلت "مَن هو"، فتُعبر عنه بـ "مَنْ"، إذ كانت مختصة بالعقلاء، وقد تقدم الكلام عليها.
فصل [قلب ألف "ما" وحذفها]
قال صاحب الكتاب: ويصيب ألفها القلب والحذف, فالقلب في الاستفهامية جاء في حديث أبي ذؤيب: "قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا بالإحرام فقلت: مه؟ فقيل: هلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
* * *
قال الشارح: اعلم أنه لما كثُر استعمالُ هذه الكلمة، وتَشعّبتْ مواضعُها، وأوقعوها
¬__________
(¬1) المؤمنون: 6.
(¬2) يخطئ بعضهم استخدام هذا التعبير "أكثر من واحد"، وقد أجازه مجمع اللغة العربية في القاهرة. انظر: القرارات المجمعية ص 116؛ والألفاظ والأساليب ص 52؛ والعيد الذهبي لمجمع اللغة العربية ص 323.
الصفحة 406
440