كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)
قال الشارح: قد تقدم القول: إن هذه العلامات إنما تلحق في حال الوقف فقط، فإذا وصلت، عادت إلى حالها من البناء على السكون، ومقتضى القياس فيها. فلذلك إذا قال في الوقف: "مَنُو"، و"مَنَا"، و"مَنِي" يقول إذا وصل: "مَن يا فتى؟ " وكذلك إذا قال: "رأيتْ نساءً"، فقال في الوقف: "مَنَاتْ؟ "، وإذا قال: "رأيت رجالًا"، فقال: "مَنِينْ؟ "، وإذا قال: "رأيت امرأةً" فقال "مَنَهْ؟ "، أو"مَنتْ؟ " فإنه إذا وصل قال: "مَن يا فتى؟ " بإسكان النون وكذلك إذا قال: "رأيت رجلًا"، وامرأةً"، فبَدَأَ بالمذكر، قلت في السؤال: "مَنْ ومَنَهْ؟ " وإن بدأ بالمؤنث، قلت: "مَنْ ومَنَا؟ " لأن العلامة إنّما تلحق الذي تقف عليه، وهو الثاني، والأولُ لا تلحَقُه علامةٌ، لأنه موصول بالثاني. هذا مذهبُ الخليل وسيبويه (¬1)، وأما يونس (¬2)، فكان يُجيز "مَنَة"، و"مَنَةٌ" و"مَنَةٍ" في الوصل كما يكون مع الوقف، ويَقِيسه على "أي"، وزعم أنَّه سمع عربيًا يقول: "ضرب مَن مَنا" (¬3). وعلى هذا ينبغي إذا ثَنى، أو جمع فقال: "منان"، أو"منون" أن لا يُغيره، ويُثْبِته وصلًا، ووقفًا. واستدل على ذلك بقولِ شَمِر بن الحارث الطائي الشاعر [من الوافر]:
أَتَوا نارِى فقلتُ: مَنُونَ أَنتُمْ؟ ... فقالوا: الجِن قُلْتُ: عِمُوا ظلامًا
فقلت: إلى الطعامِ فقال منهم ... زَعِيمٌ: نَحسُدُ الأنَسَ الطعامَا
وبعضهم يرويه: "عِمُوا صَباحًا"، والأكثرُ "ظَلامًا". ويؤيده البيتُ الثاني. وهو شاذ، وشذوذُه من وجهَيْن: أحدهما: أنه أثبتَ الزيادة في الوصل، وهي إنما تكون في الوقف لا غيرُ. والثاني: أنه فتح النونَ، وحقها السكون. وكان أبو إسحاق يقول فيه: إِن الشاعر اعتقد الوقفَ على "منون"، ثم ابتدأ بما بعده.
وأما قياسُ "مَنْ" على "أي" فليس بصحيح, لأن "أَيا" معربةٌ، و"مَنْ" مبنيّةٌ. وأما ما حكاه من قولهم: "ضرب مَن مَنَا"، فهي حكايةٌ نادرةٌ لا يُؤخَذ بها، وقد استبعدها
¬__________
= مبنيّ على حذف النون، والواو: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، والألف: فارقة. "ظلامًا": ظرف زمان منصوب متعلّق بـ "عم".
وجملة "أتوا": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "قلت لهم": معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب. وجملة "منون أنتم": في محل نصب مفعول به. وجملة "قالوا": معطوفة على "قلت"، فهي مثلها لا محل لها من الإعراب. وجملة "نحن الجن": في محل نصب مفعول به. وجملة "قلت": استئنافيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة "عموا": في محل نصب مفعول به.
والشاهد فيه قوله: "منون أنتم" حيث وقع فيه شذوذان: الأول: زيادة الواو والنون في الوصل، والثاني: تحريك النون التي من حقها أن تكون ساكنة.
(¬1) الكتاب 2/ 408، 409.
(¬2) الكتاب 2/ 410.
(¬3) الكتاب 2/ 411.
الصفحة 420
440