كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)
غيرُ، سواء قالوا: "جاءني زيد" أو "رأيت زيدًا"، أو"مررت بزيد". فأمّا أهلُ الحجاز،
فتَحرزوا بالحكاية لِما قد يعرِض في العَلَم من التنكير بالمشاركة في الاسم، فجاؤوا بلفظه، لئلا يتوهم المسؤولُ أنّه يُسأل عن غيرِ مَن ذَكَرَه من الأعلام، وخصّوا الأعلامَ بذلك لكثرة دَوْرها وسعةِ استعمالها في الإخبارات، والمعامَلات، ونحوهما, ولأنّ الحكاية ضربٌ من التغيير، إذ كان فيها عدولٌ عن مقتضَى عمل العامل، والأعلامُ مخصوصةٌ بالتغيير. ألا ترى أنهم قالوا: "رجاء بن حَيْوَةَ"، وقالوا: "مَحْبَب"، و"مَكْوَزةُ"؟ وساغ فيها الترخيمُ دون غيرها من الأسماء؛ لأنها في أصلها مغيرةٌ بنَقْلها إلى العَلَمية، والتغييرُ يُؤْنِس بالتغيير.
ووجهٌ ثانٍ أن الأعلام إنما سوغوا الحكايةَ فيها لما تَوهموه من تنكيرها، ووُجودِ التزاحم لها في الاسم، فجاؤوا بالحكاية لإزالةِ توهمِ ذلك. وهذا المعنى ليس موجودًا في غيرها من المعارف؛ لأنه لا يصح اعتقادُ التنكير فيما فيه الألفُ واللام مع وجودهما, ولا فيما هو مضاف مع وجودِ الإضافة، وكذلك سائرُ المعارف.
وكان يونسُ (¬1) يُجْرِي الحكاية في جميع المعارف، ويرى بابَها، وبابَ الأعلام واحدًا. وحكى سيبويه (¬2) عن بعض العرب: "دَعْنا مِن تَمْرتانِ" كأنه قال: "ما عنده تمرتان"، فحكى قوله. وقال: سمعتُ عربيًا يقول لرجل سأله: "أليس قُرَشيا"؟ فقال: "ليس بقُرَشيًا"، حكايةٌ لقوله. فعلى هذا، إذا قال: "رأيتُ أخا زيدٍ"، جاز أن يقول: "من أخا زيدٍ". وليس ذلك بالمختار، والوجه الرفع في جميع المعارف ما خلا الأعلام، نحوُ قولك في جواب "جاءني أخو زيدٍ": "من أخو زيد؟ " و"رأيت أخا زيد": "من أخو زيد؟ "، و"مررت بأخي زيد": "من أخو زيد؟ "، وكذلك باقي المعارف.
فإن قيل: إذا كان الغرض من حكاية العَلَم إزالةَ توهم أن الاسم الثاني غير الأول، فهلّا زادوا على "من" زيادة تُنْبِىء عن حالِ الاسم المذكور، فيُعْلَمَ أنّه المراد دون غيره، كما فعل بالنكرة حيث قالوا: "مَنُو"، و"مَنَا"، و"مَنِي". قيل: كان القياس في النكرة الحكايةَ كالعَلَم لِما ذكرناه، غير أن إعادةَ لفظ النكرة، لم تجز؛ لأنه يلزم فيها، إذا أُعيدت، إدخالُ الألف واللام فيها؛ لأنها تصير معهودة، نحو قولك: "جاءني رجلٌ"، و"فعل الرجل كذا". وإذا أُدخل عليه الألف واللام، لم تمكن إعادةُ لفظ الأول، فلمّا لم تسغ الحكايةُ في النكرة، عدلوا إلى ما فعلوه من زيادة على لفظ "مَنْ" لتنوبَ منابَ الحكاية. وأمّا العَلَمُ المعرفة، فلا يلزم فيه ما لزم في النكرة من الإتيان بالألف واللام لتعرفه، فساغت منه الحكايةُ.
¬__________
(¬1) الكتاب 2/ 413.
(¬2) الكتاب 2/ 413.
الصفحة 424
440