كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

وأمْ بنو تميم، فإنهم جروا في ذلك على القياس في غيرِ هذا الباب، إذ لا خلافَ أن مستفهِمًا لو ابتدأ السؤالَ، لقال: "من زيدٌ؟ " فـ "مَنْ" مبتدأٌ، و"زيدٌ" الخبر، أو"زيد" مبتدأ، و"من" الخبر. فكذلك إذا وقع السؤال جوابًا لا فَرْقَ بينهما, ولأن الحكاية إنّما كانت في النكرة لتُنْبِىءَ أنّ الاستفهام إنما كان عن الاسم المتقدّم، لا عن غيره ممّا يُشارِكه في اسمه، وليس هذا المعنى في المعرفة، فكان منزلةُ بني تميم منزلةَ من أتى بالكلام من غيرِ تأكيد، نحو قولك: "أتاني القومُ". ومنزلةُ أهل الحجاز منزلةَ من أتى بالتأكيد، نحو قولك: "أتاني القومُ كلهم"؛ لأن التأكيد يُزيل توهُّمَ اللبس كما تُزيله الحكاية. فإن جئت مع "مَنْ" بواوِ عطف، أو فاء، نحو قولك: "فَمَنْ"، أو"وَمَنْ"؛ لم يكن فيما بعده إلَّا الرفعُ، وبطلت الحكايةُ، وذلك قولك إذا قال القائل: "رأيت زيدًا": "وَمَنْ زيدٌ" أو"فمَنْ زيدٌ؟ " وإنما كان كذلك من قِبَل أنك لمّا أتيتَ بحرف العطف، علم المسؤولُ أنّك تعطِف على كلامه، وتنحو نحوه، فاستغنيتَ عن الحكاية، فاعرفه.
قال صاحب الكتاب: لماذا استُفهم عن صفةِ العَلَم، قيل إذا قال: "جاءني زيدٌ": "المَني"، أي: الْقُرَشِي، أم الثقَفِي، و"المَنِيّتانْ"، و"المَنِيونْ".
* * *
قال الشارح: قد يحتاج الإنسان إلى معرفةِ نَسَب مَنْ يُذكَر له، وإن كان معروفَ العين عنده. فإذا أراد ذلك، أدخل الألفَ واللام على "مَنْ" من أولها، وأتى بياء النسب من آخِرها، وأعربها بإعرابِ الاسم المسؤول عنه، فإذا قال: "جاءني زيدٌ"، قال: "المَنِي؟ " وإذا قال: "رأيت زيدًا" قال: "المَنِي؟ " وإذا قال: "مررت بزيد"، قال: "المَنِي؟ " كأنه قال: "الثقَفي، أم القُرَشي؟ "، وإذا قال: "جاءني الزيدان"، قلت: "المَنِيانْ؟ " وفي النصب والجرّ: "المَنِيين؟ " فجئت بـ "مَنْ"؛ لأن "مَنْ " يُسأل بها عن الرجل المنسوب، أو الموصوف، وأمّا علامةُ النسب التي هي الياء، فلِيُعْلَمَ أنه يُسأل عنه منسوبًا، وأمّا الألفُ واللام. فلأنه إنما يُسأل عن صفةٍ العبارةُ عنها بالألف واللام.
ولو صرحتَ مكان "المَنى" بـ "الثقفي"، أو"القرشي"، لكان إعرابُه إعرابَ "المنيّ" على حسبِ الاسم المتقدّم. ويجوز رفعُه ألبتّة على إضمارِ مبتدأ، تقديره: "أهو الثقفي، أو القرشي؟ " كما إذا قيل: "كيف أنتَ؟ " قلت: "صالحٌ"، أي: "أنا صالحٌ". ولا يحسن أن يقع في جوابِ "المني" غيرُ النسب إلى الأب، نحو: "الثقفي"، و"القرشيّ"، ولا يحسن "البصري" أو"المكّي"؛ لأن أكثرَ أغراض العرب في المسألة عن الأنساب (¬1). وحُكي عن المبرد أنه سُئل عن الرجل يقولُ: "رأيت زيدًا"، فأردتَ أن تسأله عن صفته،
¬__________
(¬1) في الطبعتين "الإنسان"، وهذا تحريف صححناه عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص907.

الصفحة 425