كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

فقال: أقول: "المني" كأني أقوله: "الظريفيّ" أو"العالمي"، فعلى هذا يجوز في كل صفة. والأول أكثرُ، فعلى هذا لو قيل: "رأيت لاحِقًا"، وأريد البعير، وأردتَ أن تسأله عن صفته، فالقياسُ أن تقول: "المائِي؟ "، أو"الماوِيَّ؟ " لأنّ "ما" تختص بما لا يعقل، فاعرفه.

فصل [أوجه "أي"]
قال صاحب الكتاب: و"أي" كـ "من" في وجوهها, تقول مستفهماً: "أيهم حضر؟ " ومجازياً "أيهم يأتني أكرمه"، وواصلاً: "أضرب أيهم أفضل"، وواصفاً: "يا أيها الرجل". وهي عند سيبويه (¬1) مبنية على الضم إذا وقعت صلتها محذوفة الصدر, كما وقعت في قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد علي الرحمن عتيا} (¬2). وأنشد أبو عمر الشيباني في كتاب الحروف [من المتقارب]:
إذا ما أتيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل (¬3)
فإذا كملت, فالنصب كقولهم: "عرفت أيهم هو في الدار", وقد قريء: {أيهم أشد} (¬4).
* * *
قال الشارح: قد تقدم القول على "أي"، وأن معناها تبعيضُ ما أضيفت إليه، ولذلك لزمتْها الإضافةُ. وأقسامُها كأقسامِ "مَنْ" في وجوهها، وهي أربعة أقسام: تكون استفهامًا، وجزاءً، وموصولةً، وموصوفةً. فإذا كانت استفهامًا، أو جزاء، كانت تامّةً لا تحتاج إلى صلةِ.
وتكون مرفوعة ومنصوبة ومجرورة. فرفعها بالابتداء لا غيرُ، ونصبها بما بعدها من العوامل، ولا يعمل فيها ما قبلها, لأن الاستفهام والجزاء لهما صدر الكلام. فمثالُ الاستفهام "أيهم حضر؟ " و"أيهم يأتيني؟ " فـ "أيٌّ" هنا اسم تام لا يفتقر إلى صلةٍ, وهو رفعٌ بالابتداء، وما بعده الخبرُ، قال الله تعالى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} (¬5). وتقول: "أيهم تضرب؟ " فـ "أي" نصبٌ بما بعده. قال الله، تعالى: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (¬6) فـ "أي" نصب بـ "ينقلبون" لا بما قبله.
¬__________
(¬1) الكتاب 2/ 400.
(¬2) مريم: 69.
(¬3) تقدم بالرقم 492.
(¬4) مريم: 69. وهذه قراءة هارون، والأعمش، وغيرهما.
انظر: البحر المحيط 6/ 209؛ وتفسير القرطبي 11/ 133؛ ومعجم القراءات القرآنية 4/ 54.
(¬5) النمل: 38.
(¬6) الشعراء: 227.

الصفحة 426